للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الاختلاف في التقويم]

ولو اختلفا في التقويم لم يلتفت إليه إلى آخره، فدعوى الغلط في التقويم على نوعين؛ نوع يصح، ونوع لا يصح، فالذي لا يصح أن يدعي أحد المتقاسمين الغلط في التقويم بغبن (١) يسير، فإن كان ما يدعي من الغلط يدخل تحت تقويم المقومين، وهذه (٢) الدعوى لا تصح سواء حصلت القسمة بقضاء القاضي، أو بتراضيهم لوجهين:

أحدهما: أن الاحتراز عن مثل هذا الغلط/ غير ممكن.

والثاني: أنه يؤدي إلى ما لا يتناهى؛ لأنه يمكنه أن يدَّعي ذلك في القسمة الثانية والثالثة، والذي يصح أن يدعي أحد المتقاسمين الغلط في التقويم بغبن فاحش بأن كان ما يدعي من مقدار الغلط لا يدخل تحت تقويم المقومين، فإنه (٣) صحيح إن حصلت القسمة بقضاء القاضي؛ لأنا لو سمعنا هذه الدعوى وبقضاء (٤) هذه القسمة لا يؤدي إلى ما لا يتناهى؛ لأنه لا يقع مثل هذا الغبن في القسمة الثانية؛ لأنه (٥) يتصور التقويم في المرة الثانية على وجه لا يتحقق فيها الغبن الفاحش، وإن حصلت القسمة بالتراضي، لم يذكر محمد هذا الفصل في الكتاب.

وحُكي عن الفقيه أبي جعفر الهندواني -رحمه الله (٦) - أنه كان يقول: «لقائل أن يقول: لا تسمع هذه الدعوى؛ لأن القسمة في معنى البيع، ودعوى الغبن في البيع من المالك لا [يصح؛ لأنه لا فائدة، فإن البيع من المالك لا] (٧) ينقض بالغبن الفاحش، أما البيع من غير المالك ينقض بالغبن الفاحش؛ كبيع الأب والوصي، ولقائل أن يقول: تسمع هذه الدعوى؛ لأن المعادلة شرط في القسمة والتعديل في الأشياء المتفاوتة يكون من حيث القيمة، فإذا ظهر في القسمة (٨) غبن فاحش كان شرط جواز القسمة قائمًا فيجب نقضها (٩)» (١٠).

والصدر الشهيد حسام الدين (١١) كان يأخذ بالقول الأول، وبعض مشايخ عصره كانوا يأخذون بالقول الثاني، وفي «فتاوى قاضي خان» جعل القول الأخير أولى، وقال (١٢): «قال الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل (١٣) -[رحمه الله] (١٤) - تسمع دعواه الغلط والغبن، أي: بعدما قسمت التركة بالتراضي، وله أن يبطل (١٥) القسمة كما لو كانت القسمة بقضاء القاضي، وهو الصحيح، والله أعلم.


(١) في (ع): «معنى».
(٢) في (ع): «فهذه».
(٣) في (ع): «وإنه».
(٤) في (ع): «ونقضنا».
(٥) في (ع): «لا».
(٦) هو محمد بن عبد الله بن محمد، أبو جعفر الهِنْدَوانِيّ البلخي الحنفي، يقال له لكماله في الفقه: أبو حنيفة الصغير، توفي ببخارى سنة ٣٦٢ هـ. ينظر: تاج التراجم: ص ٢٦٤، ٢٦٥، الجواهر المضية: ٢/ ٦٨.
(٧) ساقطة من: (ع).
(٨) في (ع): «القيمة».
(٩) في (ع): «نقضها».
(١٠) ينظر: المحيط البرهاني: ٧/ ٣٧٥، العناية: ٩/ ٤٤٩، ٤٥٠.
(١١) هو عمر بن عبد العزيز بن عمر بن مازه، برهان الأئمة أبو محمد حسام الدين المعروف بالصدر الشهيد، الإمام ابن الإمام والبحر ابن البحر، تفقه على والده، وله الفتاوى الصغرى والفتاوى الكبرى، ومن تصانيفه: «شرح الجامع الصغير المطول». ينظر: الجواهر المضية: ١/ ٣٩١، تاج التراجم: ص ٢١٧.
(١٢) ينظر: فتاوى قاضي خان: ٣/ ٦٩.
(١٣) هو محمد بن الفضل، أبو بكر الفضلي الكماري، نسبة إلى (كمار) قرية ببخارى، فقيه مفتٍ، قال اللكنوي: كان إمامًا كبيرًا وشيخًا جليلاً معتمدًا في الرواية مقلدًا في الدراية، ومشاهير كتب الفتاوى مشحونة بفتاواه ورواياته، أخذ الفقه عن: عبد الله السبذموني، وأبي حفص الصغير، وغيرهما، وتفقه عليه: القاضي أبو علي الحسين بن الخضر النسفي، والحاكم عبد الرحمن بن محمد الكاتب، وعبد الله الخيزاخزي، وغيرهم. ينظر: الجواهر المضية: ٢/ ١٠٧، الفوائد البهية: ص ١٨٤.
(١٤) ساقطة من: (ع).
(١٥) في (ع): «يقول».