للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي «المبسوط» (١): «وإذا قسم القوم أرضًا ميراثًا بينهم أو شراء، وتقابضوا، ثم ادعى أحدهم غلطًا في القسمة، فإنه لا يشتغل بإعادة القسمة بمجرد دعواه؛ لأن القسمة بعد تمامها عقد لازم، فمدعي الغلط يدعي لنفسه حق الفسخ بعدما ظهر بسبب لزوم العقد.

وقوله في ذلك غير مقبول إلا بحجة كالمشتري إذا ادعى لنفسه خيار السبب العيب، أو (٢) الشرط، ولكن إن أقام البينة على ذلك فقد أثبت دعواه بالحجة فيعاد القسمة بينهم حتى يستوفي كل ذي حق حقه؛ لأن المعتبر في القسمة العادلة، وقد ثبت بالحجة أن المعادلة بينهم لم يوجد فإن لم تقم له بينة استحلف الشركاء؛ لأنهم لو أقروا بذلك لزمهم، فإذا أنكروا استحلفوا عليه لرجاء النكول؛ فمن حلف منهم لم يكن عليه سبيل.

وإليه أشار من بعد، وهو قوله: (وإن قال أصابني إلى موضع كذا فلم يسلمه إليَّ، ولم يشهد على نفسه بالاستيفاء تحالفا)، ففي هذا إشارة إلى أنه لا تقبل دعواه فيما إذا شهد على نفسه بالاستيفاء؛ لأن عدم التحالف عند الإشهاد على الاستيفاء لم يكن لمعنى.

إلا أن التناقض مانع لصحة الدعوى، ولا يحلف (٣) عند عدم صحة الدعوى، ألا ترى أنه تحرى التحالف عند صحة الدعوى بوجود موجب التحالف، وهو الاختلاف في مقدار ما حصل له بالقسمة، وكان هو نظير الاختلاف في مقدار البيع، والدليل على صحة هذا الذي [ذكره] (٤) في الكتاب بقوله: (ينبغي أن لا تقبل دعواه أصلاً لتناقضه) صريح ما ذكره في قسمة «فتاوى قاضي خان» في تقسيم وجوه الغلط حيث قال: «ومنها أن تكون المنازعة بينهما بعد ما أشهد كل واحد منهما على القبض، واستيفاء الحق نصفه التمام، ثم يقول أحدهما: حقي الذي في يدك، وحقك الذي في يدي، أو يقول: قد قسمنا، ولكن أخذت أنا بعض حقي دون بعض لا تسمع دعواه ولا خصومته بعد ما أشهدا على القبض والاستيفاء» (٥). وهكذا أيضًا ذكر في «المبسوط» في باب (دعوى الغلط من القسمة) فقال: رجل [مات و] (٦) ترك دارًا وابنين، فاقتسما الدار، وأخذ كل واحد منهما النصف، وأشهدا على القسمة والقبض والوفاء.

ثم ادعى أحدهما [بيتا صاحبه] (٧) لم يصدق [على] (٨) ذلك إلا أن يقر به صاحبه من قبل أنه قد أشهد على الوفاء، يعني قد أقر باستيفاء كمال حقه فبعد ذلك هو مناقض فيما يدَّعيه في يد صاحبه، فلا يقبل ببينته على ذلك، ولكن إن أقر به صاحبه فإقراره ملزم إياه، والمناقض إذا صدقه خصمه فيما يدعي ثبت الاستحقاق له، ولو لم يكن أشهد بالوفاء ولم يسمع منه إقراره بالقسمة إلى أن قال: «فالقول قوله مع يمينه» (٩).


(١) ينظر: المبسوط: ١٥/ ٦٤.
(٢) في (ع): «أي».
(٣) في (ع): «يخالفه».
(٤) زيادة من: (ع).
(٥) ينظر: المبسوط: ١٥/ ٦٧، البناية: ١١/ ٤٤٩.
(٦) ساقطة من: (ع).
(٧) في (ع): «شيئًا في يد صاحبه».
(٨) زيادة من: (ع).
(٩) ينظر: المبسوط: ١٥/ ٦٧.