للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[باب المهر]

لما ذكر ركن النكاح وشرطه وما هو في معنى الشّرط شرع في بيان حكمه وهو وجوب المهر وبه صرّح في المنشور (١) (٢) بأن وجوب المهر حكم النكاح لما أنّ المهر إمّا مسمّى أو مهر المثل يجب بالعقد فكان حكمه ثم الله تعالى بحكمته البالغة لم يشرع عقد النكاح إلا ببدل لتّعظيم خطره عند الناكح ويحل شأنه لعين الطّامح ويكون خوف المطالبة بالصّداق مانعًا له عن الطّلاق فحينئذ يمتد التّوافق والتّساعد ويدوم البقاء والتّوالد وعن هذا كانت المتعة والنكاح الموقت حراماً وازداد حسن تأييد المعاشرة قوة ونظاماً.

ثم اعلم أنّ الكلام ههنا في مواضع في وجوب المهر بدون الذكر وفي بيان ما يصلح وما لا يصلح وفي بيان ما تفسد به التسمية وما يصح وفي بيان ما يستحق به جميع المهر وما يسقط به نصفة.

وفي بيان من يعتبر به مهر المثل وفي بيان حكم الاختلاف بين الزّوجين وما يتبعها فبدأ ببيان الأوّل.

وقال ويصحّ النكاح وإن لم يسم فيه مهراً ولها مهر مثلها من نسائها إن دخل بها أو مات عنها وهو أحد قولي الشّافعي-رحمه الله- (٣) وفي القول الآخر لا يجب بنفس العقد وإنّما يجب المهر بالفرض بالتّراضي أو بقضاء القاضي حتّى إذا مات أحدهما قبل الدّخول فلا مهر لها عنده وذكر في (الأسرار) وغيره قوله الثّاني مطلقاً ومشايخهم مختلفون فيما إذا دخل بها فأكثرهم على أنّه يجب المهر بالدّخول.

ومنهم من يقول لا يجب بالدّخول [أيضاً] (٤) كذا في الْمَبْسُوطِ (٥) سوى ما أحيل ثم المهر واجب شرعًا هذا جواب سؤال مقدّر وهو أن يقال ينبغي أن لا يتم النكاح بدون تسمية المهر لأنّ المهر واجب كالثّمن في باب البيع فكما يفسد البيع هناك عند ترك تسمية الثمن فكذا هنا عند ترك تسمية المهر فأجاب عنه وقال نعم أنّ المهر واجب لكن وجوب المهر لا بأنه شرف المحل المحترم وهو بضع الحرّة ويضع من لا يملكه بملك اليمين لا لصحّة النكاح فلذلك لم يحتج إلى ذكره لصحّة النكاح فيصح النكاح وإن لم يسم المهر.

قوله: وَفِيهِ خِلَافُ مَالِكٍ-رحمه الله- (٦) أي فيما إذا تزوجها بشرط أن لا مهر لها (٧) فإن هذا النكاح لا يجوز عنده فقال؛ لأنّه عقد معاوضة ملك متعة بملك مهر فيفسد بشرط نفي عوضه كالبيع بشرط أن لا ثمن إلا أنّا نقول أنّه قد ثبت بالدّليل أنّ النكاح ينعقد بلفظ الهبة وهي تمليك في اللّغة بلا عوض فكان قوله بشرط أن لا مهر لك تقريراً لما أوجبه الهبة لأنّ النكاح بغير تسمية المهر جائز بالإجماع (٨) وما كان عوضاً شرط ذكره في العقد لا يختلف بين ترك ذكره وبين نفي ذكره كالبيع.


(١) المنشور، في فروع الحنفية للإمام، السيد، ناصر الدين: أبي القاسم بن يوسف السمرقندي، الحنفي، وفي (ب): (الْمَبْسُوطِ).
(٢) يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (٥/ ٦٢، ١١٣).
(٣) يُنْظَر: الأم للشافعي (٥/ ٦٣)، روضة الطالبين (٦/ ٢٦٧ - ٢٦٩).
(٤) زيادة من (ب).
(٥) يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (٥/ ٦٢).
(٦) إذا تزوجها بشرط أن لا مهر لها اختلف العلماء في ذلك:
- ذهب الحنفية والشافعية والحنابلة: إلى جواز النكاح.
- ذهب المالكية: إلى عدم جواز النكاح.
يُنْظَر: بدائع الصنائع (٢/ ٢٧٤)، الشرح الكبير (٢/ ٣١٣)، روضة الطالبين (٧/ ٢٨٠)، المعني (٧/ ٩٤).
(٧) يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (٥/ ٤١).
(٨) لم أعثر على من نقل الإجماع، إلا أن عامة أهل العلم على جواز النكاح بغير تسمية المهر. ينظر: الشرح الكبير على متن المقنع (٨/ ٨١)، المبسوط، للسرخسي (٥/ ٦٢)، متن أبي شجاع المسمى الغاية والتقريب (ص ٣٢).