للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[[من سها عن التشهد الأول]]

قوله: وَمَنْ سَهَا عَنْ الْقَعْدَةِ الْأُولَى (١).

أي: في ذوات الأربع أو الثلاث من الفرض فإنه، وضح المسألة في مبسوط شيخ الإسلام، و «المحيط» (٢)، ولو أن رجلًا صلى ركعتين من الظهر، ثم قام إلى الثالثة قبل أن يقعد، ولأن القعدة الأولى في التطوع فرض عند محمد، وكانت هي بمنزلة الأخيرة، وفي القعدة الأخيرة يعود إلى القعدة لا محالة، وإن استوى قائمًا؛ لأن ما يقرب إلى الشيء يأخذ حكمة (٣) كفناء المصر له حكم المصر في حق صلاة العيد، والجمعة، وكحريم البئر له حكم البئر، وما قرب من العامر له حكم العامر (٤) في حكم (٥) المنع عن (٦) الإحياء، كذا في «المحيط» (٧). ثم قيل: يسجد للسهو للتأخير، أي: لتأخير القعدة التي هي واجبة؛ لأنه لما اشتغل بالقيام فقد أخر الواجب، والأصح: أنه لا يسجد، وهو اختيار الشيخ الإمام أبي بكر محمد بن الفضل رحمه الله؛ لأنه إذا كان إلى القعود أقرب صار كأنه لم يقم، ولهذا يقعد، وقال غيره من مشايخنا: إنه يسجد (٨).

وذكر الإمام الولوالجي رحمه الله في فتواه: والمختار أنه يسجد؛ لأنه بقدر ما اشتغل بالقيام صار مؤخرًا واجبًا وجب، وصله بما قبله من الركن، فصار تاركًا للواجب، فيجب عليه سجدتا السهو، ولو كان إلى القيام أقرب لم يعد؛ لأنه كالقائم معنى، ولو كان في حقيقة القيام لما عاد إلى القعدة الأولى بالاتفاق (٩) فكذا هذا؛ لأنه أخذ حكمه لقربه منه، ثم إنما لا يعود عند حقيقة القيام لما أن القيام فرض، والقعدة الأولى واجبة، فلا يترك الفرض لأجل الواجب، فإن قلت: يشكل هذا بما إذا تلا آية السجدة حالة القيام فإنه يترك القيام قصدًا، وهو فرض، ويأتي بسجدة التلاوة، وهي واجبة فقد ترك (١٠) الفرض لأجل الواجب (١١).

قلت: قال الشيخ الإمام رحمه الله في «المبسوط» (١٢): كان القياس هناك أيضًا أن لا يترك القيام إلا أنه جوّز ذلك بالأثر، فإن النبي عليه السلام والصحابة كانوا يسجدون، ويتركون القيام لأجلها، فتركنا الركن به، والمعنى فيه: أن المقصود من سجدة التلاوة إظهار التواضع، ومخالفة الكفرة، فإنهم كانوا يستكبرون عن السجود، فجوز ترك القيام تحقيقًا (١٣)


(١) انظر: العناية شرح الهداية: ١/ ٥٠٧.
(٢) انظر: المحيط البرهاني: ٢/ ٤٠٧.
(٣) - زيادة من ب (حكمة)
(٤) - ساقط من ب (له حكم العامر)
(٥) - زيادة من ب (حكم)
(٦) - قي ب من بدل من عن
(٧) انظر: المحيط البرهاني: ٢/ ١٥.
(٨) انظر: بدائع الصنائع: ١/ ١٧١.
(٩) انظر: البناية ٢/ ٦١٨.
(١٠) - ساقط من ب (القيام قصدًا، وهو فرض، ويأتي بسجدة التلاوة، وهي واجبة فقد ترك)
(١١) انظر: البحر الرائق: ٢/ ١١٠.
(١٢) انظر: الجوهرة النيرة: ١/ ٧٧.
(١٣) - في ب تخفيفاً بدل من تحقيقاً