للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قوله - رحمه الله - (١): «لأنَّه كالمُلجَأ إلى القضاء» (٢).

ولم يقل أنَّه ملجأ؛ لأنَّه لو صار مُلجَأً حقيقة بشهادة الشُّهود على الحكم؛ لوجب القصاص على الشَّاهدين في الشَّهادة بالقتل العمد إذا ظهر [كذبهم] (٣)، كما في المكره، كما هو مذهب الشافعي (٤) - رحمه الله - (٥)، وليس كذلك.

[وذلك] (٦) لأن الملجأ حقيقة هو من يخاف العقوبة الدنياوية، والقاضي ههنا إنما يخاف العقوبة في الآخرة، ولا يصير به ملجأً، لأن كل [واحد] (٧) يقيم الطاعة خوفاً من العقوبة على تركها في الآخرة لا يصير به مكرهاً (٨).

«ولكن لم يجب الضَّمان على القاضي ههنا لأنَّه غير متعدٍ في القضاء؛ بل هو مباشر [لما] (٩) هو فرض عليه ظاهر فتعيَّن الشُّهود لإيجاب الضمان [عليهم] (١٠)». كذا في المبسوط (١١).

[في ضمان الشهود إذا رجعوا]

[وإنَّما] (١٢) يضمنان»؛ أي: الشَّاهدان يضمنان «إذا قبض المدَّعى المال دينا كان أو عيناً».

«لأن الإتلاف به» (١٣)؛ أي: إتلاف مال المدَّعَى عليه إنَّما يتحقق بقبض المدَّعِى ماله، وفي ذلك لا يتفاوت الحكم بين العين والدَّين، هذا الذي ذكره هو اختيار شمس الأئمة السرخسي- رحمه الله -.

وأمَّا شيخ الإسلام - رحمه الله - فقد فرَّق بين العين والدَّين، فقال: «إن كان المشهود به عيناً فللمشهود عليه أن يُضَمِّن الشَّاهد بعد الرجوع، قبض المشهود له العين من المشهود عليه أو لم يقبضه بعد، وإن كان المشهود به ديناً فليس للمشهود عليه أن يُضَمِّن الشَّاهدين للحال، وإنَّما يضمنهما إذا استوفى المشهود له ذلك من المشهود عليه» (١٤).

«والفرق بينهما على ما ذكره شيخ الإسلام - رحمه الله - هو أن ما يجب على الشَّاهد من الضمان عند الرجوع ضمان إتلاف، وضمان الإتلاف مقيد/ بالمثل، فمتى كان المشهود به عينا فالشَّاهدان أزالاه عن ملكه بشهادتهما عند اتصال القضاء بها.

ألا ترى أنَّ تصرف المشهود عليه فيه بعد ذلك لا ينفذ، فلو أزلنا العين عن ملكها بأخذ الضمان منهما لا تنتفي المماثلة، أمَّا إذا كان المشهود به ديناً فالشَّاهدان ما أزلا عينا عن ملكه؛ بل [أوجبا] (١٥) عليه دينا بغير حق، فلو استوفينا الضمان من [الشُّهود] (١٦) قبل أن يستوفي [المشهود] (١٧) له ذلك من المشهود عليه تنتفي به المماثلة؛ لأنَّ المستوفى عين، والعين خير من الدين، وينظر إلى قيمة المشهود به يوم القضاء؛ لأن وجوب الضَّمان عليهما بالإتلاف والإتلاف حصل بالقضاء، فتعتبر القيمة يوم القضاء». كذا في الذَّخيرة (١٨).


(١) سقط من: «ج».
(٢) الهداية (٣/ ١٣٢).
(٣) في «ج»: [بكذبهم].
(٤) ينظر: نهاية المطلب (١٦/ ١٢٢).
(٥) سقط من: «س».
(٦) زيادة من: «س».
(٧) في «س»: [أحد].
(٨) ينظر: المبسوط (٢٦/ ١٨١).
(٩) في «ج»: [شرطا].
(١٠) في «س»: [عليه].
(١١) المبسوط (١٦/ ١٧٩).
(١٢) في «س»: [وإنما هما].
(١٣) الهداية (٣/ ١٣٢).
(١٤) المحيط البرهاني (٨/ ٥٤٠).
(١٥) في «ج»: [أوجبنا].
(١٦) في «ج»: [المشهود].
(١٧) في «ج»: [الشهود].
(١٨) المحيط البرهاني (٨/ ٥٤٠).