للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عرفنا أنَّ الشَّاهد غير مباشر لا حقيقةً ولا حكمًا، والقصاص جزاء قتل العمد مباشرة، أما حقيقة كما إذا قتله باختياره، أو حكما كما في المكرَه؛ لأن المكرَه فاسد الاختيار، والمكرِه صحيح الاختيار، والفاسد بمقابلة الصحيح بمنزلة المعدوم، فصار المكرَه بمنزلة الآلة للمكرِه، فانتقل فعله إلى المكره، وليس الشَّاهد هنا كذلك؛ لأنَّ المباشر [المتحلل] (١) وهو الولي صحيح الاختيار [وكامله] (٢)، فلم ينتقل فعله إلى الشَّاهد، فبقي الشَّاهد مسببًا فلم يستحق جزاء المباشرة، [إذ] (٣) المساواة مطلوبة في القصاص.

وأمَّا الشافعي (٤) - رحمه الله - (٥) وإنَّما أقام المسبب مقام المباشر في القصاص، لحديثٍ خاصٍ ورد فيه وهو حديث علي -رضي الله عنه- حيث قال لشاهدي السَّرقة حين رجعا: «ولو علمت أنكما تعمدتما لقطعت أيديكما» (٦) (٧).

ولأنَّ أمر الدِّماء أشدُّ صيانة من أمر الأموال، فلم يلزم من إقامة المسبب مقام المباشر في أمر الدم بسبب زيادة صيانته إقامة المسبب مقام المباشر في حق الأموال.

وإنا نقول: أمَّا حديث علي -رضي الله عنه- فكان ذلك على سبيل التَّهديد، لأنَّه صح من مذهب علي أنَّ اليدين لا تقطعان بيدٍ واحدةٍ.

وقد يهدد الإمام بما لا يحقُّقُّ له، قال عمر -رضي الله عنه-: «ولو تقدمت في المتعة لرجمت» (٨)، والمتعة لا توجب الرجم بالاتفاق.

وأمَّا الجواب عن الثاني: فإنَّ المسبب يقام مقام المباشر في الأموال إذا تعذَّر إيجاب الضمان على المباشر، كما في حفر البئر على قارعة الطريق، وهنا كذلك، فيضاف على المسبب، وقد ذكرناه. وإلى هذا أشار في المبسوط في باب رجوع الشُّهود من كتاب الديات (٩)، وفي كتاب الرجوع عن الشهادات (١٠).


(١) في «ج»: [التحلل].
(٢) سقط من: «ج».
(٣) في «ج»: [إذا].
(٤) ينظر: الحاوي الكبير (١٧/ ٢٥٧)، البيان للعمراني (١٣/ ٣٩٤).
(٥) سقط من: «س».
(٦) أخرجه: البخاري في الصحيح معلقاً (٩/ ٨) كتاب الديات، باب إذا أصاب قوم من رجل، هل يعاقب أو يقتص منهم كلهم، والدارقطني (٤/ ٢٤٠)، رقم (٣٣٩٤)، وعبد الرزاق في المصنف (١٠/ ٨٨)، رقم (١٨٤٦٠)، والبيهقي في السنن الكبرى (١٠/ ٢٥١)، رقم (٢١٧٢٤)، وصححه إسناده.
(٧) ينظر: المبسوط (٩/ ١٦٩).
(٨) أخرجه: مالك في الموطأ (٢/ ٥٤٢)، كتاب النكاح، باب نكاح المتعة، رقم (٤٢).
(٩) ينظر: المبسوط (٢٦/ ١٨١).
(١٠) ينظر: المبسوط (١٦/ ١٧٨).