للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

(أما على الطوافِ).

أي: أما إذا قدر على الطواف، ولم يقدر على الوقوف، فإنه يصير (١) محصراً (٢) حتى إذا فاته الحجّ يتحلل بالطواف والسعي، وهو الأصل في التحلل، والدم بدل عنه، فلمّا كان قادراً على الأصل لا يصير إلى الحلق (٣).

(وقد قيل: في هذه المسألة خلاف بين أبي حنيفة، وأبي يوسف -رحمهما الله-).

وهو ما ذكر علي بن الجعد (٤) -رحمه الله- عن أبي يوسف قال: سألت أبا حنيفة -رحمه الله- عن المحرم يُحصَرُ في الحرم، فقال: لا يكون محصرًا فقلتُ: أليس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أحصر بالحديبية، وهي من الحرم، فقال: إن مكة يومئذ كانت دار الحرب، فأما اليوم [فهي] (٥) دار الإسلام، ولا يتحقق الإِحْصَار فيها قال أبو يوسف: "وأما أنا فأقول إذا غلب العدو على مكة حتى حالوا بينه وبين البيت فهو محصر".

والأصح أن يقول: إذا كان محرمًا بالحجّ فإن مُنع من الوقوف، والطواف جميعًا فهو محصر، وإلا فلا على ما ذكرنا هذا كله ما ذكره شمس الأئمة السرخسي في «الجامع الصغير» (٦)، و «المبسوط» (٧)، وصاحب المحيط، فالله تعالى أعلم بالصواب.

بَابُ الفَواتِ

قوله -رحمه الله-: (أنَّ وقت الوقوفِ يمتدُ إليه). أي: إلى طلوع الفجر. (من فاته عرفة بليل) فأول الحديث، وهو ما رواه ابن عباس/ وابن عمر -رضي الله عنهم- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من أدرك عرفة بليل فقد أدرك الحجّ، ومن فاته عرفة بليل» (٨) الحديث.

(ولأنَّ الإحرامَ بعدما انعقدَ صحيحًا).

أي: نافذًا لازماً، وهذا احتراز عن إحرام العبد أو الأمة بغير إذن المولى، وإحرام المرأة في التطوع بغير إذن الزوج، فإن للمولى أو للزوج أن يحللهما.

فإن قوله: (صحيحًا) ليس باحتراز عما انعقد فاسدًا؛ لأن الإحرام الفاسد، وهو ما إذا جامع المحرم قبل الوقوف بعرفة أو أحرم مجامعًا، فإنه يلزم عليه المضي في حجه كما إذا لم يفسد، فإن الفاسد يؤخذ حكمه من الصحيح، فكما أن الإحرام الصحيح لازم المضي فكذلك الإحرام الفاسد، وقد ذكرناه، ويؤيده ما ذُكر في «المبسوط» (٩): (رجل أهّل بحجة فجامع فيها، ثُمَّ قدم مكة، وقد فاته الحجّ فعليه دم لجماعه، ويحل بالطواف والسعي)؛ لأن الفاسد معتبر بالصحيح، فكما أن التحلل عن الإحرام الصحيح بعد الفوات يكون بالطواف والسعي، فكذلك عن الإحرام الفاسد.


(١) في (ب): يصبر.
(٢) ساقطة من (ب).
(٣) في (ب، ج): الخلفِ.
(٤) علي بن الجعد على بن الجعد بن عبيد الجوهري، مولى بني هاشم من أهل بغداد، وكان مولده سنة ست وثلاثين ومائة، وكنيته أبو الحسن. يروي عن الثوري، وشعبة، وابن أبى ذئب، والحسن بن صالح. حدثنا عنه شيوخنا. مات يوم الإثنين في آخر رجب ببغداد سنة ثلاثين ومائتين.
انظر: الثقات لابن حبان (٨/ ٤٦٦)، والتاريخ الكبير (٦/ ٢٦٦)، والجرح والتعديل: (٦/ ١٧٨).
(٥) أثبته من (ب، ج).
(٦) انظر: العناية شرح الهداية (٣/ ١٣٤).
(٧) انظر: المبسوط (٤/ ١١٤).
(٨) سبق تخريجه (٩٦).
(٩) انظر: المبسوط (٤/ ١٧٦).