للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

كتابُ الشَّهادات

[في محاسن الشهادة وفضائلها.]

إيرادُ كتابِ الشَّهادات بعد كتاب أدبِ القاضي؛ بيِّنُ المناسبة؛ إذ القاضي في قضائه يحتاج أولاً إلى شهادة الشهود عند إنكار الخَصم (١).

ثم محاسنُ الشَّهادة كثيرةٌ وفضائلها (٢) عزيزةٌ، فمنها أنَّ الشَّهادة صفة من صفات الله تعالى الذاتيَّة، قال الله تعالى: {ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ} (٣).

وقال: {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} (٤)، ولا يشك عاقلٌ في حُسنِ صفات الله تعالى، كالعلم والقدرة.

ومنها أنَّ مبنى الشَّهادة على الصِّدق، والصِّدق حَسَنٌ لمعنىً في عينِه، بحيث لا يقبل النسخَ (٥) ولا يتبدل حُسنُه في وقتٍ من الأوقات، ولا يُشَكُ في حُسن شيءٍ كان حُسُنهُ لذاته.

إذ الشَّهادةُ ليست هي إلَّا إخبارًا بالصِّدق عند القاضي، فكانت الشَّهادة حَسَنَةٌ لذاتها؛ لحسن الصِّدق لذاته.

فإن قلتَ: كم من خبر صدقٍ هو منهِيُّ عنه، فلو كان الصِّدقُ حسناً لمعنىً في عينِه لَمَا ورد النهي عنه، وذلك كتزكية النَّفس والغيبةِ، قال الله تعالى: {فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ} (٦).

[في تعريف التزكية والغيبة.]

والتَّزكية: إخبارٌ عن نفسِهِ بما يُجهل هو فيه، وهو منهي عنه، وإن كان صادقاً فيه (٧).

وكذلك الغِيبَةُ، قال الله تعالى: {وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} (٨).

والغِيبةُ: إخبارٌ عن رجلٍ حالَ غَيبَتِه بما يَشِينُهُ الذي هو صادقٌ فيه؛ لأنَّه لو كان هو كاذباً فيه كان بُهتاناً وزوراً لا غِيبةً.


(١) ينظر: العناية شرح الهداية (٧/ ٣٦٤).
(٢) النَّاسخ يعتمد إمالة الهمزة وتسهيلها.
(٣) سورة يونس: آية ٤٦.
(٤) سورة البروج: آية ٩.
(٥) النسخ لغة: مستعمل في معنيين: أحدهما: الإزالة والرفع، يقال: «نسخت الشمس الظل»: أي أزالته ورفعته، والثاني: يستعمل في النقل، يقال: «نسخت الكتاب»؛ أي: نقلت مثل ذلك المكتوب إلى محل آخر.
ينظر: تهذيب اللغة (٧/ ٨٤)، تبيين الحقائق (٦/ ٢٤٩).
واصطلاحاً: هو إبطال الحكم المستفاد من نص سابق بنص لاحق، ورفعه. أو هو بيان انتهاء الحكم الشرعي في حق صاحب الشرع وكان انتهاؤه عند الله تعالى معلوماً إلا أنَّ في علمنا كان استمراره ودوامه، وبالناسخ علمنا انتهاءه، وكان في حقنا تبديلاً وتغييراً. ينظر: معجم مصطلح الأصول لهيثم هلال (ص ٣٣٦)، التعريفات للجرجاني (ص ٢١٥).
(٦) سورة النَّجم: آية ٣٢.
(٧) في «س»: [هو فيه].
(٨) سورة الحجرات: آية ١٢.