للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولا يُشترط انضمامُ التصرُّف إليها؛ لأنَّ يد التَّصرف قد تكون بغير المِلك أيضاً، فنجعل نفس اليدِّ دليلاً إلَّا في العبد والأمة؛ لأنَّ الحرَّ قد يخدم الحرَّ كأنَّه عبده (١).

وأمكن هناك إزالة هذا الاحتمال [بتحكيم] (٢) الإقرار بالرِّق؛ فلم يسقط اعتبار الاحتمال فيهما حتَّى لو عرف أنَّه رقيقٌ [وَسِعَه] (٣) أن يشهد لحكم اليدِّ أنَّه مِلكه؛ لأنَّ الرقيق لا يدَّ له على نفسه، ثم كما يحلُّ للشَّاهد أن يشهد بحكم اليد بالمِلك؛ فيحلُّ للقاضي أيضاً القضاءُ به، حتَّى إنَّ القاضي لو عاين يده في حال قضائه؛ حلَّ له أن يقضي، كما يحل للشَّاهد أن يشهد.

[الإحاطة والتيقن في الشهادة]

«وعن أبي يوسف أنَّه يُشترط مع ذلك أن يقع في قلبه أنَّه له» (٤).

أسند هذا القول في الفوائد الظهيرية إلى أبي يوسف، ومحمد، وقال: [وعن] (٥) أبي يوسف، ومحمد: إذا وقع في قلب الرائي أنَّه مِلكه وَسِعَه أن يشهد؛ وهذا لأنَّ الأصل في الشَّهادة الإحاطةُ والتيقُّن؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا عَلِمتَ مِثلَ الشَّمسِ فَاشهَد وَإلَّا فَدَع» (٦)، فعند إعوَاز ذلك يُصار إلى ما يشهد به القلب؛ ولهذا قيل: إذا رأى إنسانٌ دُرَّةً ثمينةً في يد كنَّاسٍ، أو كِتاباً في يدِ جاهلٍ ليس [في] (٧) آبائه من هو أهل لذلك، لا يَسِعُه أن يشهد له بالمِلك، وبعضهم شرطوا مع هذا أن يراه متصرِّفاً فيه (٨).

وكان القاضي الإمام أبو على النسفي (٩) - رحمه الله - (١٠) يشترط مع رؤية اليد والتصرُّف أن يقع في قلبه أنَّه مِلكه؛ فإن قيل الشاهد إذا قيد الشَّهادة بما استفاد العلم به من معاينة اليد؛ فالقاضي لا يقبل شهادته، ولو جاز تحمُّل الشَّهادة بالمشاهدة يقبل القّاضي الشَّهادة (١١).


(١) يُنظر: المحيط البرهاني (٨/ ٢٩٨)، البناية شرح الهداية (٩/ ١٣٠).
(٢) في «س»: [بتحكم].
(٣) في «ج»: [وسعك].
(٤) الهداية (٣/ ١٢٠).
(٥) في «س»: [عن].
(٦) سبق تخريجه، ص (١١٢).
(٧) في «س»: [من].
(٨) يُنظر: المحيط البرهاني (٨/ ٢٩٩).
(٩) هو الحسين بن الخليل بن أحمد بن محمد، الإمام، أبو علي النسفي، الفقيه، نزيل سمرقند، تفقه ببخارى على أبي الخطاب محمد بن إبراهيم الكعبي القاضي، وببلخ على الإمام أبي حامد الشجاعي، ورد بغداد حاجاً، سنة ٥١٠ هـ، وحدث بها، وتوفي/، في شهر رمضان، سنة ٥٣٣ هـ.
يُنظر ترجمته في: تاريخ الإسلام للذهبي (١١/ ٥٩١)، الجواهر المضية (١/ ٢١١)، الطبقات السنية ترجمة رقم (٧٤٦).
(١٠) في «ج»: [ر ح].
(١١) يُنظر: المحط البرهاني (٨/ ٢٩٩).