للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي «المبسوط» (١) (فأقاموا أكثر الثلاثة مقام الكمال في بيان الآية) وهو أن بالاتفاق يفوت الحجّ بطلوع الفجر من يوم النحر، وفوات العبادة يكون بمضي وقتها، وأما مع [بقاء] (٢) الوقت فلا يتحقق الفوات.

ولهذا قال أبو يوسف -رحمه الله-: (من ذي الحجّة عشر ليال، وتسعة أيام، فأما اليوم العاشر، فليس بوقت الحجّ"؛ لأن الفوات يتحقق بطلوع الفجر من اليوم العاشر، وهو يوم النحر، وفي ظاهر المذهب (٣) اليوم العاشر من وقت الحجّ؛ لأن الصحابة/ قالوا: وعشر من ذي الحجّة، ولأن الله تعالى سمي هذا اليوم الحجّ الأكبر، قال الله تعالى: {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ} (٤).

والمراد يوم النحر إلا أنه وقت الحجّ لأداء الطواف فيه دون الوقوف، كذا روي عن العبادلة الثلاثة، وهم: عبد الله بن عباس، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عمر) كذا في «المبسوط» (٥).

[حكم الإحرام قبل أشهر الحج]

(فإن قدم الإحرام بالحجّ عليها).

أي: على أشهر الحجّ فإنه عنده يصير محرمًا بالعمرة؛ لأن الشروع إذا انعقد المقصود، وهو غير صالح لذلك المقصود، ولكن صالح لغيره يصرف شروعه إلى ذلك الغير كمن نوى صوم القضاء من النهار يكون شارعًا في النفل؛ لأن شروعه في الفرض لم يصح، وكذلك من شرع في الفريضة الوقتية من الصلاة، ثُمَّ يذكر أن عليه صلاة قبل هذه يصرف شروعه إلى النفل؛ لأن النفل يصح بمطلق نية الصلاة، ويقول: لأن الوقت وقت العمرة ألا ترى أنه لو فات حجة بمضي الوقت يبقى إحرامه للعمرة، فكذلك إذا حصل ابتداء إحرامه في غير أشهر الحجّ.

(وهو شرط عندنا).

بدليل أنه يبقى مسألة ما (٦) إلى الفراغ منه، وهذا حد شرط العبادة لا حد ركن العبادة، ولأنه لا يتصل به أداء الأفعال؛ لأن الإحرام يكون عند الميقات، وأداء الأفعال بمكة، فلو أحرم في أول يوم من أشهر الحجّ يصح بالاتفاق وأداء الأفعال بعد ذلك بزمان، فعرفنا أنه بمنزلة الشرط، فلا يستدعي صحة الوقت بخلاف الصلاة، فإن أداء الأركان هناك يتصل بالتكبير، فإذا حصل قبل دخول الوقت لا يتصل أداء الأركان به، فإن قلتَ: لو كان شرطًا لما كره قبل أشهر الحجّ، وهو مكروه ذكر في «المبسوط» (٧)، ولأن قوله -صلى الله عليه وسلم-: «المهل بالحجّ في غير أشهر الحجّ مهل بالعمرة» (٨) دليل على أنه ليس بشرط حيث لم يصح تقديمه للحج بمقتضى هذا الحديث.


(١) انظر: المبسوط (٤/ ٦١).
(٢) أثبته من (ب).
(٣) «ظاهر المذهب» هو نفسه «ظاهر الرواية»، فهما مصطلحان متقاربان لفظًا ومتحدان معنى.
انظر: المذهب الحنفي (١/ ٣٥٩)، الكواشف الجلية (ص/ ٦٠).
(٤) سورة التوبة من الآية (٣).
(٥) انظر: المبسوط (٤/ ٦١).
(٦) في (ب): مستدامة.
(٧) انظر: المبسوط (٤/ ٦١).
(٨) أخرجه أبو عوانه في باب ذكر الخبر المبين: ان فسخ الحج بعمرة لمن لا يكون معه هدي على الإباحة لا على الحتم، حيث يقول: وان المهل بالحج اذا قدم مكة ولم يكن معه هدي إن أحب أقام على إحرامه إلى انقضاء نسكه، وان احب جعلها عمرة، وحظر فسخ الحج لمن معه هدي ...... )، (٢/ ٢٩٢).