للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ووجه رواية الحسن أنهم إذا جاءوا معًا كان ذلك بمعنى المعاوضة فتتفاحش التهم.

والله أعلم بالصواب.

* * *

كتابُ الخنثى

لما فرغ من بيان أحكام من له آلة واحدة في المبال من آلتي الرجال والنساء شرع في بيان أحكام مَن له آلتان فيه واختلاف الأقوال؛ وقدم ذكر الأوَّل لما أن الواحد قبل الاثنين أو لأن الأول هو الأعم الأغلب وهذا … كالنادر فيه.

اعلم أن الله تعالى خلق بني آدم ذكورًا وإناثًا كما قال الله تعالى: {وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً} (١) وقال تعالى: {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ} (٢) ثم بين حكم الذكور وحكم الإناث في كتابه ولم يبين حكم شخص هو ذكر وأنثى؛ فعرفنا بذلك أنه لا يجتمع الوصفان في شخص واحد وكيف يجتمعان وبينهما مغايرة على سبيل المضادة؛ وجعل علامة التمييز عند الولادة الآلة كذا في فرائض المبسوط (٣).

فمن محاسن أحكام الخنثى هي ترك الإضمار (٤) في البيان وإن ندر وجوده في الأزمان.

ومنها العدل والإنصاف وذكر ما يليق بحاله من مسائل الوفاق والخلاف من غير الاعتداء والاعتساف.

ومنها النظر له فيما يضر وينفع ويخفض أمره ويرفع كابتياع الإمام أمة ختانة بمال بيت المال عند العسرة وضيق الأحوال؛ والأمر بأخذ القناع [في الصلاة] (٥) سترًا وبرًا وغيره من الأحكام وهلم جرَّا.

وذكر في المُغْرِب تركيب الخنث يدل على لين وتكسر ومنه المخنث (٦) وتخنث في كلامه والخنثى الذي له ما (٧) للرجال والنساء (٨) والجمع الخناثَى بالفتح كحبلى وحبالَى؛ فإن كان يبول من الذكر فهو غلام وإن كان يبول من الفرج فهو أنثى (٩).


(١) سورة النساء: ١.
(٢) سورة الشورى: ٤٩.
(٣) ينظر: المبسوط (٣٠/ ٩١).
(٤) في (أ) و (ب): الإهمال؛ وما أثبت من (ج) هو الصواب.
(٥) ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.
(٦) المخنث بفتح النون: هو الذي يشبه المرأة في اللين والكلام والنظر والحركة ونحو ذلك، وهو ضربان.
أحدهما: من خلق كذلك، فهذا لا إثم عليه.
والثاني: من لم يكن كذلك خلقة، بل يتشبه بالنساء في حركاتهن وكلامهن. ينظر: ابن عابدين ٣/ ١٨٣، ١٨٤.
فهذا هو الذي جاءت الأحاديث الصحيحة بلعنه. فالمخنث لا خفاء في ذكوريته بخلاف الخنثى.
(٧) في (ب): والخنثى ماله؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.
(٨) عرف علماء اللغة الخنثى بما يشبه التعريف الاصطلاحي وهو: من له ما للرجال والنساء جميعًا أو خلق له فرج الرجل وفرج المرأة وأنه هو من ليس بذكر ولا أنثى. ينظر: لسان العرب (٢/ ١٤٥)، القاموس المحيط (١/ ٢١٦).
واصطلاحًا: ١ - تعريف الحنفية: عرف الكاساني الخنثى بأنه من له آلة الرجال والنساء؛ والشخص الواحد لا يكون ذكرا وأنثى حقيقة؛ فإما أن يكون ذكرًا وإما أن يكون أنثى.
وعند الزيلعي: هو من له فرج وذكر ويلحق به من عرى عن الآلتين جميعًا.
ينظر: بدائع الصنائع (٦/ ٤١٨)، تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق الزيلعي (٦/ ٢١٥).
٢ - تعريف المالكية: عرف الخرشي الخنثى بأنه: من له آلة المرأة وآلة الرجل؛ وقيل يوجد منه نوع ليس له واحدة منهما وله مكان يبول منه؛ ولا يتصور أن يكون أبًا ولا أما ولا جدا ولا زوجا ولا زوجة؛ لأنه لا يجوز مناكحته ما دام مشكلًا.
ينظر: شرح مختصر خليل (٨/ ٢٢٧).
٣ - تعريف الشافعية: عرف الشافعية الخنثى بأنه: من له آلتا الرجل والمرأة؛ وقد يكون له كثقبة الطائر؛ وما دام مشكلًا استحال كونه أبًا أو جدا أو أما أو زوجا أو زوجة. ينظر: تحفة المحتاج (٦/ ٤٢٦).
٤ - تعريف الحنابلة: عرف الحنابلة الخنثى بأنه: الذي له ذكر وفرج امرأة أو ثقب في مكان الفرج يخرج منه البول، وينقسم إلى مشكل وغير مشكل؛ فالذي يتبين فيه علامات الذكورة والأنوثة فيعلم أنه رجل أو امرأة ليس بمشكل؛ وإنما هو رجل فيه خلقة زائدة أو امرأة فيها خلقة زائدة. ينظر: المغني لابن قدامة (٧/ ١١٤).
-التعريف الطبي الحديث: عرف الخنثى في الطب المعاصر بأنه الشخص الذي تكون أعضاؤه الجنسية غامضة. ينظر: موقع المجرة الإسلامية-كوكب الطب والعلوم-مشكلة الخنثى بين الطب والفقه forums Com.almgjara
(٩) ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الخنثى قبل البلوغ إن بال من الذكر فغلام، وإن بال من الفرج فأنثى، لما روي عن ابن عباس م أن النبي - صلى الله عليه وسلم -سئل عن المولود له قبل وذكر، من أين يورث؟ قال: " يورث من حيث يبول". أخرجه البيهقي (٦/ ٢٦١) من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس وضعف إسناده.، وقال ابن حجر في التلخيص (١/ ١٢٨): الكلبي هو محمد بن السائب: " متروك الحديث بل كذاب ".
وروي - صلى الله عليه وسلم -أتي بخنثى من الأنصار، فقال: ورثوه من أول ما يبول منه. أورده المغني (٦/ ٢٥٣) ولم أعثر عليه.
ولأن منفعة الآلة عند الانفصال من الأم خروج البول، وما سواه من المنافع يحدث بعدها.
-وإن بال منهما جميعا فالحكم للأسبق، وروي ذلك عن علي ومعاوية، وسعيد بن المسيب، وجابر بن زيد وسائر أهل العلم. -وإن استويا فذهب المالكية والحنابلة وأبو يوسف ومحمد من الحنفية إلى اعتبار الكثرة، وحكي هذا عن الأوزاعي، لأن الكثرة مزية لإحدى العلامتين، فيعتبر بها كالسبق.
-فإن استويا فهو حينئذ مشكل، إلا أن بعض المالكية قال: ليس المراد بالكثرة أن يكون أكثر كيلا أو وزنا، فإذا بال مرتين من الفرج ومرة من الذكر دل على أنه أنثى، ولو كان الذي نزل من الذكر أكثر كيلا أو وزنا.
-ويرى بقية الفقهاء أنه لا عبرة بالكثرة، لأن الكثرة ليست بدليل على القوة، لأن ذلك لاتساع المخرج وضيقه، لا لأنه هو العضو الأصلي، ولأن نفس الخروج دليل بنفسه، فالكثير من جنسه لا يقع به الترجيح عند المعارضة كالشاهدين والأربعة، وقد استقبح أبو حنيفة ذلك فقال: وهل رأيت قاضيا يكيل البول بالأواقي؟
ينظر: ابن عابدين ٥/ ٤٦٤ - ٤٦٥، وفتح القدير ٨/ ٥٠٤، ٥٠٥.، ومواهب الجليل ٦/ ٤٢٤، الشرح الصغير ٤/ ٧٢٥، ٧٢٦، ٧٢٧، والأشباه والنظائر للسيوطي/ ٢٤١، ٢٤٢، وروضة الطالبين ١/ ٧٨.