للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

(فكان معنى القُربة فيهما) أي: في العقار والجهاد أقوى للتَّأبيد/ في العقار ولكونِ الجهاد سنام الدّين، فلا يُلحَق بهما غيرهما، وهو القياس إلّا أنّ التّعارف أقوى مِن القياس، فيُترك به القياس، كالاستصناع فيما فيه تعامل لقوله -عليه الصلاة والسلام-: "ما رآه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن" (١) فلذلك ترك القياس في المدّ والقدوم وفيما فيه تعامل.

[[بيع الوقف]]

قوله: (إلا أن يكون مشاعًا) استثناء من قوله: (لم يجُز بيعه) على طريق التجوُّز والاتّساع؛ لأنّ القسمة ليست من أنواع البَيع، ولكنْ معنى المبادَلة راجح في العروض للتّفاوت بخلاف المكيلات والموزونات، فإنّ معنى الإفراز والتّمييز راجح فيها، ولما كان معنى المبادلة راجحًا في قسمة العَقار جوّز ذلك استثناؤها مِن البيع لوجود معنى البيع من وجْه.

(أمّا امتناع التّمليك فلما بيَّنا) وهو ما ذكر: ما قاله النَّبي -عليه الصلاة والسلام- لعمر -رضي الله عنه-: "تصدق بأصلها لا تباع ولا توهب" (٢) وما ذكر من المعنى بقوله: (ولأنّ الحاجة ماسّة … ) إلى آخره.

(فهو الذي يقاسم) أي الواقف يقاسم شريكه لا القاضي.

(وإنْ وقف نِصف عقار خالص له)، وقوله (خالص) صفة عقار، أي: لو كان له عقار مائة ذراع مثلًا فوقف نصفه خمسين ذراعًا يجِب أن يكون المقاسم ههنا غير الواقف، إذ لو كان هو مقاسمًا يلزم أنْ يكون الواحد مطالِبًا، ومطالَبًا في حقّ شيء واحدلأنّ مقاسم النّصف الّذي هو الوقف مطالب له من مالك النّصف الذي هو غير وقف، فكان مالك ذلك النّصف مطالَبًا عنه بذلك النّصف الذي هو وقف، وهو الواقف فعند كون الواقف مقاسمًا لذلك النِّصف الذي هو وقف يلزم أن يكون مطالِبًا ومطالَبًا في حقّه لا محالة.


(١) أخرجه أحمد في مسنده، برقم (٣٦٠٠) ٦/ ٨٤.
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: " إِنَّ اللهَ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ، فَوَجَدَ قَلْبَ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم- خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ، فَاصْطَفَاهُ لِنَفْسِهِ، فَابْتَعَثَهُ بِرِسَالَتِهِ، ثُمَّ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ بَعْدَ قَلْبِ مُحَمَّدٍ، فَوَجَدَ قُلُوبَ أَصْحَابِهِ خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ، فَجَعَلَهُمْ وُزَرَاءَ نَبِيِّهِ، يُقَاتِلُونَ عَلَى دِينِهِ، فَمَا رَأَى الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا، فَهُوَ عِنْدَ اللهِ حَسَنٌ، وَمَا رَأَوْا سَيِّئًا فَهُوَ عِنْدَ اللهِ سَيِّئٌ ".
قال الهيثمي: ورجاله موثقون. مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (١/ ١٧٨).
(٢) سبق تخريجه.