للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن ادعى حقًا إلى آخره، دلت المسألة على شيئين:

أحدهما: أن الصلح عن المجهول على معلوم جايز (١).

والثاني: دلت المسألة على أن صحة الدعوى ليست بشرط لصحة الصلح؛ لأن دعوى الحق في الدار ليست بصحيحة؛ لجهالة الدعوى، حتى لو أقام البينة عليه لا تقبل بينة، إلا إذا ادعى إقرار المدعى عليه بالحق، فحينئذ تصح الدعوى وتقبل البينة، كذا في الفوائد الظهيرية (٢)، والله أعلم.

[فصل في بيع الفضولي] (٣)

مناسبة هذا الفصل باب الاستحقاق ظاهرة؛ لأن بيع الفضولي من صور الاستحقاق؛ لأن المستحق إنما يستحق ويقول عند الدعوى: هذا ملكي، ومن باعك إنما باعك بغير إذني، فهو عين (٤) بيع الفضولي.

[والفضولي] بضم الفاء لا غير، وذكر في المغرب (٥): بفضل (٦) الزيادة، وقد غلب على جمعه على ما لا خير فيه حتى قيل: فضول بلا فضل، وسن بلا سنًا، وطول بلا طول، وعرض بلا عرض، ثم قيل: لمن يشتغل بما لا يعينه فضولي؛ لأنه لما صار بالغلبة لهذا المعنى صار كالعلم له ولم يصر إلى واحدة في النسب، كما في أعرابي وأنصاري.

وهو في اصطلاح الفقهاء: من ليس بوكيل، وفتح الفاء خطأ.

الأصل في تصرف الفضولي عندنا أن يقول: أن العقود يتوقف (٧) على الإجازة إذا كان لها مخير حالة العقد، [وإن] (٨) لم يكن لها مخير حالة العقد (لا يتوقف، ويقع) (٩) باطلاً والشرى (١٠) لا يتوقف على الإجازة إذا وجد نفاذًا على العاقد، وإن لم يجد نفاذًا عليه فإنه يتوقف.

وقال الشافعي -رحمه الله-: لا يتوقف العقود (١١)، بيان هذا الأصل هو أن الصبي المحجور عليه إذا باع ماله، أو اشترى شيئًا، أو تزوج امرأة، أو زوج أمته، أو كاتب عبده، أو عقد عقدًا يجوز عليه لو فعله وليه في حالة الصغر، فإذا فعله بنفسه في حالة الصغر يتوقف على إجازة وليه في حالة الصغر، فلو بلغ الصبي قبل أن يجيزه الولي فأجاز بنفسه جاز، ولا يجوز بنفس البلوغ من غير إجازة بعده.

ولو أن الصبي طلق امرأته أو خلعها، أو أعتق عبده على مال أو بغير مال، أو وهب ماله أو تصدق به، أو زوج عبده امرأة، أو باع ماله بمحاباة فاحشة، أو اشترى شيئًا بأكثر من قيمته قدر ما لا يتغابن الناس في مثله، أو (١٢) غير ذلك من العقود مما لو فعله وليه في حال صغره لا يجوز عليه، فهذه العقود كلها باطلة لا يتوقف، وإن أجازها الصبي بعد البلوغ لم يجز؛ لأن هذه العقود لا مخبر لها وقت العقد فلا يتوقف على الإجازة إلا إذا كان لفظ إجازته بعد البلوغ مما يصلح لابتداء العقد، فحينئذ يصح على جهة (١٣) الابتداء على جهة (١٤) الإجارة، نحو أن يقول بعد البلوغ: أوقعت ذلك الطلاق أو العتاق فيقع؛ لأنه يصلح للابتداء، كذا في شرح الطحاوي (١٥).


(١) في (ت): جائز.
(٢) فتح القدير (٧/ ٤٩).
(٣) ما بين المعقوفين زيادة من (ت).
(٤) في (ت): غير.
(٥) المغرب (١/ ٣٦٢).
(٦) في (ت): الفضل.
(٧) في (ت): تتوقف.
(٨) ما بين المعقوفين زيادة من (ت).
(٩) في (ت): لا تتوقف وتقع.
(١٠) في (ت): والشراء.
(١١) انظر: المجموع (٩/ ٢٦٠).
(١٢) في (ت): و.
(١٣) في (ت): وجه.
(١٤) في (ت): وجه.
(١٥) النهر الفائق شرح كنز الدقائق (٢/ ٢٢٧).