للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما جهالة جنس المعقود به لا تمنع صحة التَّوكيل حتى إن من وكَّل ببيع عين من [غير] (١) أعيان ماله جاز، وإن لم يتبين الثمن، فكان له أن يبيع بأي ثمن شاء عند أبي حنيفة -رضي الله عنه- لأنَّ المقصود به اكتساب المالية والأجناس كلها في المالية سواء فمن هذا [الوجه] (٢) يتحد الجنس ولا يختلف.

[في وقوع الجهالة اليسيرة في الوكالة]

وأما المعقود عليه؛ فالمالية كما هي مقصودة، فمرافق أخر أيضاً مقصودة كاللبس، والركوب، وباعتبارها يختلف الجنس؛ فلم تجز الوكالة عند اختلاف الجنس لذلك؛ ولهذا قلنا: إنه لا يشترط بيان الجنس ولا بيان النَّوع في المضاربة إذ المقصود بها اكتساب المالية، والأنواع، والأجناس سواء في اعتبار المالية. كذا ذكره [الإمام] (٣) المرغيناني، والمحبوبي [رحمهما الله] (٤)» (٥).

«والأصل أن الجهالة اليسيرة تتحمل في الوكالة كجهالة الوصف استحساناً» (٦).

وإنما قيد بقوله: «استحساناً»؛ لأن القياس أن لا يتحمل الوكالة الجهالة.

وإن قلت: وذكر في المبسوط: «وإن سمى الجنس [والنوع] (٧)، ولم يبين الصفة؛ جازت الوكالة سواء سمى الثمن، أو لم يسم، وهذا استحسان، وفي القياس لا يجوز ما لم تتبين الصفة.

وجه القياس أن التَّوكيل بالبيع والشراء معتبر بنفس البيع والشراء، فلا يجوز إلا ببيان وصف المعقود عليه.

ألا ترى أنَّا نجعل الوكيل كالمشتري لنفسه، ثم البائع من الموكل.

وكان بشر المريسي (٨) يأخذ بالقياس إلى أن نزل به ضيف، فدفع دراهم إلى إنسان ليأتي بالرؤوس المشوية؛ فجعل يصفها له؛ فعجز عن إعلامه بالصفة، فقال: اصنع ما بدا لك، فذهب الرجل، واشترى الرؤوس وحملها إلى عياله، وعاد إلى بشر بعد ما أكلها مع عياله، فقال له: أين ما قلت لك؟، قال: قلت لي اصنع ما بدا لك، وقد بدا لي ما فعلت، فرجع عن قوله وأخذ بالاستحسان.


(١) سقط من: «س».
(٢) سقط من: «س».
(٣) سقط من: «ج».
(٤) سقط من: «س».
(٥) نقله ابن عابدين بتمامه عن المؤلف في حاشية رد المحتار (٧/ ٢٩٦ - ٢٩٧).
(٦) الهداية (٣/ ١٣٩).
(٧) سقط من: «س».
(٨) بشر المريسي: هو بشر بن غياث بن أبي كريمة أبو عبد الرحمن، مولى زيد بن الخطاب، كان من أعيان أصحاب الرأي أخذ عن أبي يوسف، وبرع في الفقه، ونظر في الفلسفة، وجرد القول بخلق القرآن وناظر عليه ودعا إليه، وكان رأس الجهمية أخذ عن الجهم بن صفوان، كان بشر مرجئاً وإليه تنسب الطائفة المريسية، وكان يقول: إن السجود للشمس والقمر ليس بكفر ولكنه علامة للكفر، وكان لا يعرف النحو ويلحن لحنا فاحشاً، قال الذهبي: مبتدع ضال، من آثاره: التوحيد، الإرجاء، الرد على الخوارج، المعرفة، والوعيد، توفي سنة ٢١٨ هـ.
ينظر: وفيات الأعيان (١/ ٢٧٧)، ميزان الاعتدال (١/ ٣٢٢)، معجم المؤلفين (٣/ ٤٦).