للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[[حكم أم الولد والمدبر]]

(وأم الولد، والمدبَّر في هذا بمنزلة القنِّ (١) لأنَّهما مملوكانِ للمولى، وهو يستكسِبهما بمنزلة القنِّ.

فإنْ قيل: فأين ذهب قولكم إنّه يستوجِب الجُعل بإحياء المالية، ولا مالية في أمِّ الولد خصوصًا عند أبي حنيفة -رحمه الله-.

قلنا: نعم، ليس له فيها مالية باعتبار الرَّقَبة، ولكن له مالية فيها باعتبار كسْبها لأنَّه أحقُّ بكسبها، وقَد أَحيا الرَّادَّ ذلك بردِّه، فيستوجب الجُعل عليه بخلاف المكاتَب، فإنَّه أحقُّ بمكاسبته، فلا يكون رادُّه محييًا للمولى ماليته باعتبار الرَّقبة، ولا باعتبار الكَسب (٢)، كذا في المبسوط.

(لأنَّهما يعتقان (٣) بالموت) هذا التَّعليل بإطلاقه ظاهر في حقِّ أمِّ الولد وفي حقِّ المدبَّر الذي لا سعاية عليه. وأمَّا إذا كان على المدبَّر سِعاية بأنْ لم يَكن للمولى مالٌ سواه، فكذلك لا يستوجِب الجُعل على الورثة لأنَّ المستسعى بمنزلة المكاتَب عند أبي حنيفة -رحمه الله-، وحرٌّ عندهما عليه دَين، ولا جُعل لرادِّ المكاتب أو الحرِّ؛ فأمَّا إذا أوصلهما إلى المولى فقد تقرَّر حقُّه في الجُعل فلا يسقط بموت المولى وعتقهما بعد ذلك (٤)؛ كذا في المبسوط.

[[حكم الراد إن كان أبا أو ابنا]]

(ولو كان الرَّاد أبا المولى أو ابنه وهو في عياله).

وقوله: وهو راجع إلى الرّادّ، والجملة في ذلك أنَّ الرادّ إذا كان في عيال مالك العبد، أي: في مؤنته ونَفقته، لا جُعل له، سواء كان ذلك الرادّ أبًا للمالك أو ابنًا له. وأمَّا إذا لم يَكُن في عياله فعلى التّفصيل: إنْ كان الرادُّ ابنَ المالك فلا جُعل له أيضًا، وإنْ كان أباه فلَه الجُعل (٥)؛ إلى هذا أشار في الذَّخيرة وشرح الطحاوي.

وذكر في المبسوط: جواب القياس بأنَّ الرَّاد الذي هو ذو رحِم محرَّم من المالك، يستحقُّالجعل في جميع ذلك إذا لم يكُن في عياله، ثُمّ قال: ولكنَّه استحسن فقال: إذا وجد عبد أبيه (٦) و ليس في عياله فلا جعل له؛ لأن رد الآبق على أبيه مِن جملة خدمته، وخدمة الأب مستحقَّة على الابن (٧). فأمّا (٨) إذا وجد الأب عبد ابنِه، فإنْ كان في عيال ابنِه فلا جعل له؛ [لأنّ] (٩) آبق الرّجل إنَّما يطلبه مَن في عياله عادةً، ولهذا ينفِق عليهم، فلا يستوجِب مع ذلك جُعلًا آخَر. وإنْ لم يكُن الأب في عياله فله الجُعل لأنَّ خدمة الابن غير مستحقَّة على الأب، فعلى هذا التَّقرير الذي ذكرنا (١٠) يحتاج ما ذكره في الكتاب مطلقًا إلى التَّقييد فكان قوله: (وهو في عياله) أي: اشتراط العِيال في حقِّ عدم وجوب الجُعل فيما إذا كان الرادُّ أبًا، لا (١١) ابنًا، فإنَّ الجُعل لا يجب للابن سواء كان في عيال الأب أو لم يكن.


(١) القِنُّ: العبدُ إذا مُلِكَ هو وأبواه، ويستوي فيه الاثنان والجمع والمؤنَّث. وربَّما قالوا عبيدٌ أقْنانٌ، ثمَّ يجمع على أقِنَّةٍ. الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (٦/ ٢١٨٤).
(٢) ينظر المبسوط للسرخسي (١١/ ٣٠).
(٣) في (ب) "يعقبان".
(٤) المرجع السابق.
(٥) ينظر البناية شرح الهداية (٧/ ٣٥١).
(٦) في (ب) "ابنه".
(٧) ينظر المبسوط للسرخسي (١١/ ٣٣).
(٨) في (ب) "وأما".
(٩) في (أ) "لأنه".
(١٠) في (ب) "قلنا".
(١١) في (ب) "أو".