للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قيل: كيف يستحلفه، ولَيس ههنا خَصم يدَّعى عليه ذلك؟ قُلنا: يستحلِفه صيانةً لقضاء نفسه، والقَاضي مأمورٌ بأنْ يصون قضاءَه عَن أسباب الخطأ بحسب الإمكان، أو يستحلِفه نظرًا لمن هُو عاجز عَن النَّظر لنفسه من مشترٍ، أو موهوب له، فإذا حَلَف دفعه إليه. وفي أخذ الكفيل منه الأصحُّ أنّ فيه روايتين، وإنْ لم يكن للمدِّعي بينة، ولكن أقرَّ العبد أنَّه عبده، فإنَّه يدفعه إليه، ويأخذ منه كفيلًا. أمَّا الدَّفع إليه فلأنَّ العبد في يد نفسه، وقد أقرَّ بأنّه مملوك له، ولو ادَّعى أنّه حرٌّ كان قوله مقبولًا، فكذلك إذا أقرَّ أنه مملوك له. وأمّا أخذ الكفيل، فإنَّ الدَّفع إليه بما لَيس بحجَّة على القاضي، فلا يلزَمه ذلك بدون التَّكفيل بخلاف الأوَّل، فالدفع هناك بحجّة ثابتة في حقِّ القاضي (١)؛ كذا في المبسوط.

التّلفيق بهم أورده (٢) (دونها إلى صيانة الآبق) أي: دون الحاجَة أي: الحاجة في صيانة الضّال أقلُّ بالنسبة إلى الحاجة في صيانة الآبق (٣) لما ذكر في الكتاب.

(وبقدَر الرضخ … ) إلى آخره (٤). وهذه الأوجه الثّلاثة تفصيل لما ذكر قبلهبقوله: (وإنْ ردّه لأقلّ مِن ذلك فبحسابه) يعني: أنَّ ذلك الحساب قد يكون باصطلاح الرّاد والمالك، وقد يكون برأي القاضي، وقَد يكون بقِسمة الأربعين على الأيام الثلاثة. وتفسير ذلك ما ذكره في الذخيرة فقال: فيجب للرادِّ في مسيرة ثلاثة أيام أربعون درهمًا، فيكون بإزاء كل يوم ثلاثةَ عشرَ درهمًا وثُلث درهم، فيقضي بذلك إن ردّه مِن مسيرة يوم (٥). والأشبه هو الذي يفوّض إلى رأي الإمام، وبهذا التّقرير يندفع ما يتراءى في لفظ الكتاب من صورة التِّكرار، فإنّ الثّاني لما كان التّفصيل ما ذكره أولًا لا يلزم التِّكرار. وإذا كان الآبق بين رَجُلين فالجُعل عليهما على قَدر أنصبائهما، فإنْ كان أحد المولَيين حاضرًا، والآخر غائبًا فليس للحاضر أنْ يأخذه (٦) حتّى يعطيه الجُعل كلَّه. وإذا أعطاه لم يكُن متطوِّعًا، ثُمَّ ذكر فيها مسألة عجيبة، وقال: وإذا قال الرَّجل لغيره: إنَّ عبدي قد أَبق فإنْ وجدتَه فخُذْه، فقال المأمور: نَعم. ثُم إنَّ المأمور وجدَه على مسيرة ثلاثة أيام، فأخذه وردَّه على المولى فلا جُعْل له لأن المولى قد استعان منه في ردّ الآبق، وقد وعد له الإعانة، والمعِين لا يستحقُّ شيئًا.


(١) ينظر المبسوط للسرخسي (١١/ ٢٠).
(٢) في (ب) "أوردني".
(٣) ينظر الهداية في شرح بداية المبتدي (٢/ ٤٢١).
(٤) تمام كلامه: "في الرّد عما دون السفر باصطلاحهما أو يفوِّض إلى رأي القَاضي، وقيل: تقسم الأربعون على الأيام الثلاثة إذ هي أقل مدة السفر" المرجع السابق.
(٥) ينظر المحيط البرهاني في الفقه النعماني (٥/ ٤٤٦).
(٦) في (ب) "يأخذ".