للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم الزيادة أو النقصان في صيغة التلبية]

وقوله: (إنَّ الحمْدَ بكسر الألف).

هكذا رواه ابن عمر، وابن مسعود في صفةِ تلبيةِ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ لأن بكسر الألف يكون ابتداء بالثناء، وبفتح الألف يكون وصفاً لما تقدّم، وبناءً على ما قبله فكان معناه؛ لأن الحمد أو بأن الحمد، وابتداء الثناء أولى.

على ما هو المعروف في القصة، وقد ذكرنا كيفية القصة، ثُمَّ ظاهر المذهب عندنا أن غير هذا اللفظ من الثناء، والتسبيح يقوم مقامه في حق من يحسن التلبية أو لا يحسن، وكذلك لو أتى بها (١) بالفارسية، وهي والعربية سواء، أما على قول أبي حنيفة -رحمه الله- فظاهرٌ؛ لأن لفظ الفارسيةِ والعربيةِ في تكبيرةِ الافتتاح عنده سواء. ومحمد يفرق بينهما حيث يجوّز هاهنا؛ لأن غير الذِكر هاهنا يقوم مقام الذِكر، وهو تقليد الهدي، فكذلك غير العربية يقوم مقام العربية بخلاف الصلاة، وبهذا يفرق أبو يوسف بين الصلاة والتلبية (٢) كذا في «المبسوط» (٣)، وذكر في «فتاوى قاضي خان» (٤)، ولكن العربية أفضل، ولو قال: اللهم، ولم يزد عليه قال الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل (٥): هو على الاختلاف الذي ذكرنا في الشروع في الصلاة من قال: يصير به شارعًا في الصلاة قال: يصير به محرمًا وقال: فلما (٦) زادوا على المأثور قال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: في هذه المسألة أجَهِل الناسُ أم طال بهم العهد لبيكَ عدد التراب لبيكَ (٧)، وأراد بالعهد عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وزادوا في رواية: لبيكَ حقًّا حقًّا لبيك تعبّدًا ورقًّا (٨)، لبيكَ عدد التراب لبيكَ لبيكَ ذا المعارج، لبيكَ لبيكَ إله الخلق لبيكَ لبيكَ،


(١) ساقطة من (ب، ج).
(٢) في (ج): التكبير.
(٣) انظر: المبسوط (٤/ ٦).
(٤) انظر: العناية شرح الهداية (٢/ ٤٣٦).
(٥) هو الإمام أبو بكر محمد بن الفضل الكماري البخاري، من فقهاء الحنفية الكبار، حفظ المبسوط، وكان إمامًا وشيخًا جليلاً، معتمدًا في الرّواية، مقلّدًا في الدراية (ت ٣٨١ هـ).
انظر: الجواهر المضية (٣/ ٣٠٠)، الفوائد البهية (ص/ ٣٠٣).
(٦) في (ج): فلا.
(٧) اخرجه ابن راهويه في مسنده عن عبدالرحمن بن يزيد قال: «حججنا في غمارة عثُمَّان بن عفان رضي الله عنه مع عبدالله بن مسعود رضي الله عنه … » فذكر حديثاً فيه طول وفي آخره وزاد ابن مسعود في تلبيته: «لبيك عدد التراب»، قال عبدالرحمن بن يزيد: وما سمعته قبل ذلك ولابعد. (نصب الراية ٣/ ٢٥). وذكر الحافظ ابن حجر في الدراية (٢/ ١٠) بأنه أخرجه ابن راهوية في مسنده، وأبو يعلى.
قلت: وأخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار (٢/ ٢٢٧)، والبيهقي في السنن (٥/ ١٢١).
(٨) رقًّاً: الرَّقِيقُ: الْمَمْلُوكُ، فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ. وَقَدْ يُطْلق عَلَى الجَماعة كَالرَّفِيقِ، تَقُولُ رَقَّ العبْدَ وأَرَقَّهُ واسْتَرَقَّهُ.
انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر (٢/ ٢٥١)، والمقصود بها هنا الرقة واللين.