للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

كِتَابُ الصّلْحِ

[[باب]]

قد ذكرنا وجه التناسب في أول الإقرار، ثم لا حاجة لنا إلى بيان محاسن الصلح. إذا هو باسمه ومعناه دال على حسنه الذاتي؛ لأن الصلح اسم للمصالحة والتصالح وهما خلاف المخاصمة والتخاصم. فمن لفظه يشتق الصلاح ضد الفساد؛ والإصلاح ضد الإفساد والصلح الذي بمعنى السلم هي ضد الحرب، كما أن القبح الذاتي في أضداده كان الحسن الذاتي في الصلح وأشباهه إذ بالضد تتبين الأشياء. كم من فساد توجَّه دُفِع ذلك بالصلح واتبع بالفلح والنجح وكثيرًا ما يكون مكان الصلح من أحد المحاسن والمناظم ومن أجل معالي الأمور والمعالم قال الله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات من:٩]. ألا يرى إلى ما حكي: أن فتنة وقعت في قبيلة بسبب نميمة غلام فهاجت بينهم فتنة فقتل منهم أربعون ألفًا وامتد التحارب منشبًا للمنازعة (١) الظاهرة إلى أن وقع الصلح مطفيًا لهذه النائرة (٢)؛ ولأن الصلح في المداينات على نوعين: إما على الإقرار وإما على الإنكار ففي كل منهما حسن وصلاح ونصح ونجاح، لأن من طلب الصلح بعد الإقرار بما يدعيه المدعي لا يطلب منه إلا الإمهال إلى اليسار بالإجلال، أو يطلب منه العفو عن الكل أو البعض بوجه الإفصال والفساد في ترك هذا الصلح ظاهر؛ لأنه إذا طالبه بجميع حقه وهو معسر ربما تحمله شدة لزوم المطالبة وخوف الحبس قبل أن يوسر على الإنكار ورفض الإقرار فحينئذ (٣) يهلك حقه كله قبل أن يصل إليه شيء من حقه قله أو جله. وأما في ترك الصلح على الإنكار: فالفساد من وجهين:


(١) في (ب): المنازعة.
(٢) النائرة: العداوة والشحناء. يُنْظَر: المغرب (١/ ٤٧٣)، لسان العرب (٥/ ٢٤٧).
(٣) في (أ): فح. وهي اختصار (فحينئذ).