للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فإنه إذ أقام المدعي البينة فالمدعى عليه يكذبها فتكبر العداوة وتهيج الفتن بين المدعي والمدعى عليه والشهود والقاضي فإن المدعى عليه يظن بالقاضي الميل والجور بالرشوة وإلى هذا أشار النبي عليه السلام: "ردوا الخصوم كي يصطلحوا" (١) فالصلح على الإنكار أظهر حسنًا وصلاحًا من الصلح على الإقرار. وعن هذا حكي عن الشيخ الإمام أبي منصور الماتريدي (٢) رحمه الله: لم يعمل الشيطان في إيقاع العداوة والبغضاء في بني آدم مثل ما عمل من أبطل الصلح على الإنكار. ثم يحتاج ها هنا إلى بيان الصلح لغة، وشرعًا، وسببه، وركنه، وشرطه، وحكمه، وأنواعه، ودليل جوازه (٣). أما اللغة: فقد ذكرنا أنه: اسم للمصالحة التي هي المسالمة. وأما شرعًا: فعبارة عن عقد وضع لرفع المنازعة بالتراضي وأما: سببه فما هو السبب في سائر المعاملات وهو البقاء المقدور بتعاطيه وقد بينا وجهه في أول البيوع. وأما ركنه: فالإيجاب، والقبول، الموضوعان للصلح. وأما شرطه: فأن يكون المصالح عنه مالًا أو حقًّا يجوز الاعتياض عنه كالقصاص بخلاف ما إذا كان حقًّا لا يجوز الاعتياض عنه كحق الشفعة والكفالة بالنفس لا يجوز الصلح عنه وأما قبول الصلح: هل هو شرط؟ ذكر أنه: إذا وقعت (٤) الدعوى فيما


(١) أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (٨/ ٣٠٣)، كتاب البيوع، باب هل يطرد القاضي الخصوم حتى يصطلحوا حديث (١٥٣٠٤)، وابن أبي شيبة في مصنفه (٤/ ٥٣٤)، كتاب البيوع والأقضية، باب في الصلح بين الخصوم، حديث (٢٢٨٩٦)، من طريق محارب بن دثار، قال: قال عمر: "ردوا الخصوم حتى يصطلحوا، فإن فصل القضاء يورث بين القوم الضغائن".
(٢) محمد بن محمد بن محمود، أبو منصور الماتريدي، من أئمة علماء الكلام، نسبته إلى ما تريد محلة بسمرقند من كتبه: التوحيد وأوهام المعتزلة والرد على القرامطة ومآخذ الشرائع في أصول الفقه، مات بسمرقند سنة ٣٣٣ هـ يُنْظَر: الجواهر المضيَّة ٢/ ١٣٠، تاج التراجم (ص: ٢٤٩).
(٣) في (أ): جواز.
(٤) في (أ) و (ب): (وقع). والصواب، ما أثبته. لمناسبة السياق.