للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقوله -عليه السلام-: «المسلمون تتكافؤ دماؤهم» (١) دلَّ أنَّ دماء غيرهم لا تتكافأ (٢).

ولأنَّ نقصان الكفر فوق نقصان الأنوثة، وإذا كانت الدية تنتقص بصفة (٣) الأنوثة فبالكفر (٤) أولى؛ ولأنَّ بدل النفس ينتقص بالرق، والرق أثر من آثار الكفر وأثر الشيء دون أصله فلأن يتنقص بأصل الكفر كان أولى (٥).

[[سبب إيجاب الشرع الدية]]

ولأنَّ الشرع أوجب الدية بسبب الحقن وحقن [الذمي] (٦) أنقص؛ لأن حقن المسلم بسبب الإسلام.

وحقن الذمي بالذمة، والإسلام فوق الذِّمة فيجب أن يكون حق المسلم أقوى من حقن الذمي، وذلك لا يكون إلا بأن يزاد في بدل دم من كان حقنه أزيد ما جوابنا عنه.

قلت: أمَّا الآيات فقد ذكرنا الجواب عنها مرّة في حق النقصان (٧) في كتاب الجنايات بأنَّ المراد بنفي (٨) المساواة بينهما في حق أحكام الآخرة دون أحكام الدنيا.

أمَّا قوله: أنَّ نقصان الكفر فوق نقصان الأنوثة، قلنا نعم كذلك إلا أن نقصان الدية لا باعتبار نقصان الأنوثة بل باعتبار نقصان المرأة في المالكية، ولهذا تنصفت (٩) بالأنوثة لتنصف في المالكيَّة فإنَّ المرأة أهل لملك المال دون ملك النكاح وانتقص بنقصان الرق لخروجه من أن يكون أهلاً لمالكية المال ولمالكية النكاح بنفسه، وهذا لأنَّ وجوب الدية لإظهار خطر المحل وصيانته عن الهدر وهذا الخطر باعتبار صفة المالكية إذا ثبت هذا فنقول لا تأثير للكفر في نقصان المالكيّة فتستوي دية الكافر بدية المسلم فعلم بهذا أن انتقاص بدل النَّفس [بسبب الرق] (١٠) بسبب انتقاص الرقيق في المالكيّة لا باعتبار أنَّ الرق أثر من آثار الكفر والذمي يساوي المسلم في مالكيّة المال والنكاح فيساويه في بدل النَّفس.


(١) رواه أبو داود (٣/ ٨٠)، في (كتاب الجهاد)، في (باب في السَّرية تُرَدُّ على أهل العسكر)، برقم (٢٧٥١)، عن عَمْرو بن شُعيْبٍ عن أبيه عن جَدّهِ قال: قال رسول اللّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «الْمُسْلمُونَ تتَكَافَأُ دمَاؤُهُمْ يسْعَى بذِمَّتِهِمْ أدْنَاهُمْ وَيُجيرُ عليهم أقْصَاهُمْ وهُمْ يدٌ على من سوَاهُمْ يرُدُّ مُشدُّهُمْ على مُضْعفِهِمْ ومتسرعهم على قَاعدِهِمْ لا يُقْتلُ مُؤْمنٌ بكَافِرٍ ولا ذو عهْدٍ في عَهْدهِ». ورواه ابن ماجه (٢/ ٨٩٥)، في (كتاب الديات)، في (باب المسلمون تتكافأ دماؤهم)، برقم (٢٦٨٣)، عن عِكْرِمَةَ عن ابن عَبَّاسٍ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ وَهُمْ يَدٌ علي من سِوَاهُمْ يَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ وَيُرَدُّ على أَقْصَاهُمْ». قال الشيخ الألباني في إرواء الغليل (٧/ ٢٦٥): صحيح. ورواه النسائي (٥/ ٢٠٨)، في (كتاب السير)، في (باب إعطاء العبد الأمان)، برقم (٨٦٨١)، بلفظ «المؤمنون تتكافأ دماؤهم».
(٢) وفي (ب) (تتكافؤ).
(٣) وفي (ب) (بسبب).
(٤) وفي (ب) (ففي الكفر).
(٥) يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (٢٦/ ٨٤)، العناية شرح الهداية (١٥/ ٢٥٩).
(٦) كذا في (ب) وهي مثبتة في هامش (أ).
(٧) وفي (ب) (القصاص).
(٨) وفي (ب) (بنفس).
(٩) وفي (ب) (تنصف).
(١٠) سقط في (ب).