للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[[مسألة إذا نزل المني من غير جماع]]

وفي «المَبْسُوط» (١): ولو نَظَرَ إلى فرجِ امرأتِهِ فأنزلَ فصومُهُ تامٌّ ما لم يمسَّها. وقالَ مالكُ -رحمه الله- (٢): إنْ نَظَرَ مرةً فكذلك، وإنْ نَظَر مرتين فَسَدَ صومُهُ لِمَا رُوِيَ أنَّ النبيَّ -عليه الصلاة والسلام- قالَ لعلي: «لا تَتْبِعْ النظرةَ النظرة فإنَّما الأُولى لَكَ، والأُخرى عليكَ» (٣)، ولِأَنَّ النظَر يقعُ نعتُهُ فلا يَنِعدِمُ بالإمْسَاك، فإذا تعمَّدَ النظرَ بعدَ ذلك حتى أَنْزَلَ، فَقدْ فَوَّتَ رُكْنَ الصَّوْم. ولنا أنَّ النظَر كالتَّفَكُّرِ على معنى أنهُ مقصورٌ عليهِ غيرُ متصلٍ بها، ولو تَفَكَّرَ في جمالِ امرأةٍ فأنزلَ لم يَفْسدْ صومُهُ فكذلك إذا نظَر (٤)، ولو كانَ هذا مُفسداً للصومِ لم يُشترطْ التكررَ فيه كالمسِّ، وتأويلِ الحديثِ المؤاخذةِ بالماءِ، ثُمَّ إذا تعمَّدَ النظَر إلى ما لا تحلُّ لهُ، كذا في «المَبْسُوط» (٥).

(كالمستَمْنِي بالكفِّ على مَاْ قالوا): إذا عالجَ ذَكَرَهُ بيدِهِ حتى أَمْنى، قالَ أبو بَكْرٍ (٦)، وأبو القاسِمِ -رحمه الله- (٧) (٨): لا يَفسدُ صومُهُ، وعامةُ المشايخِ (٩) (١٠) على أنهُ يفسدُ صومُهُ، وعلى هذا الخلافِ إذا أتى بهيمةً فأنزلَ، فإنْ لم ينزلْ لا يفسدُ صومُهُ بلا خلافٍ، ولو مسَّ فرجَ بهيمةٍ، وأنزلَ لا يفسدُ صومُهُ بالاتفاقِ (١١)، كذا في «الذخيرةِ» (١٢) (١٣). وذَكَر في التجنيسِ (١٤): الصائِمُ إذا عالجَ ذَكَرَهُ حتى أَمنى يجبُ عليهِ القضاءُ، هو المختارُ؛ لأنهُ وَجَدَ الجِماعَ معنىً، بل يِحلُّ لهُ أن يفعلَ ذلكَ إنْ أرادَ الشهوةَ لا يَحِلُّ لقول النبيِّ -عليه الصلاة والسلام-: «نِاكحُ اليدِ ملعونٌ» (١٥)، وإنْ أرادَ تسكينَ ما بهِ مِنَ الشهوةِ أرجو أنْ لا يكونُ عليهَ وبالٌ.


(١) يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (٣/ ١٢٧).
(٢) يُنْظَر: المدونة (١/ ٢٧٠)، البيان والتحصيل (٢/ ٣١٣).
(٣) رَوَاهُ أبو داود في سننه (٢١٥١)، كتاب النكاح، باب ما يؤمر به من غض البصر. والترمذي في سننه (٢٧٧٧)، كتاب الأدب، باب نظرة المفاجأة، من حديث بريدة -رضي الله عنه-. قال الألباني: حسن.
(٤) يُنْظَر: بَدَائِعُ الصَّنَائع (٢/ ٩١).
(٥) يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (٣/ ١٢٧).
(٦) هو: مُحَمَّد بن أحمد أبو بكر الإسكاف البلخي. فقيه حنفي. إمام كبير جليل القدر، أخذ الفقه عن مُحَمَّد بن سلمة وعن أبي سليمان الجوزجاني. وتفقه عليه أبو بكر الأعمش مُحَمَّد بن سعيد وأبو جعفر الهندواني. من تصانيفه: "شرح الجامع الكبير للشيباني".
يُنْظَر: (الجواهر المضية: ٢/ ٢٨)، و (الفَوَائِد البهية: ص ١٦٠).
(٧) هو: أحمد بن عصمة أبو القاسم الصفار البلخي الحنفي، الفقيه المحدث، تفقه على أبي جسر المغيداني وسمع منه الحديث. روى عنه أبو علي الحسين بن الحسن، وتفقه عليه أبو حامد أحمد بن الحسين المروزي. وتوفي في السنة المذكورة التي توفي فيها أبو بكر الإسكاف.
يُنْظَر: (الجواهر المضية: ١/ ٧٨)، و (الفَوَائِد البهية: ص ٢٦).
(٨) يُنْظَر: العناية (٢/ ٣٣٤)، الْمُحِيط الْبُرْهَاني (٢/ ٦٤٤).
(٩) يُنْظَر: بَدَائِعُ الصَّنَائع (٢/ ٩٤)، الْبَحْرُ الرَّائِق (٢/ ٢٩٣).
(١٠) إذا قال (عامة المشايخ) فهو يقصد فقهاء الحنفية رحمهم الله. يُنْظَر: فَتْحُ الْقَدِيرِ (١/ ٤٧٧)، الفَوَائِد البهية للكنوي (ص ٢٤٢)، المذهب الحنفي لأحمد نقيب (٢/ ٣٢٣).
(١١) يُنْظَر: الْمُحِيط الْبُرْهَاني (٢/ ٦٤٤).
(١٢) ذخيرة الفتاوى، المشهورة بالذخيرة البرهانية؛ لبرهان الدين، محمود بن أحمد بن عبد العزيز بن عمر بن مازه البخاري المتوفى سنة ستمائة وست عشرة من الهجرة، والذخيرة البرهانية مختصرة من كتابه المحيط البرهاني؛ لابن مازة، وهذه الفتاوى لها نسخ متعددة منها نسخة مصورة بمكتبة المخطوطات بجامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض، تحت الرقم (٣٨٦٧ ف)، عن مكتبة تشتربيتي بدبلن بإيرلندا.
(١٣) يُنْظَر: الْمُحِيط الْبُرْهَاني (٢/ ٦٤٤)، الجوهرة النيرة (١/ ١٧٠).
(١٤) نقله عن التَّجْنِيس في الْبَحْرُ الرَّائِق (٢/ ٢٩٣)، العناية (٢/ ٣٣٤).
(١٥) هو بهذا اللفظ لا أصل له، قال في كشف الخفاء (٢/ ٣٢٥): قال الرهاوي في حاشية المنار: لا أصل له ا. هـ، وقد ذكر الشيخ الألباني في السلسلة الضعيفة والموضوعة (١٠/ ٤٢٤) أنه ضعيف، قال: وهو طرف من حديث أخرجه أبو الشيخ ابن حيان في "مجلس من حديثه" (٦٢/ ١ - ٢)، وابن بشران في "الأمالي" (٨٦/ ١ - ٢) من طرق عن عبدالرحمن بن زياد الإفريقي عن أبي عبدالرحمن الحبلي عن عبدالله بن عمرو مرفوعاً بلفظ: (سبعة لعنهم الله، ولا يُنْظَر إليهم يوم القيامة، ويقال لهم: ادخلوا النار مع الداخلين: الفاعل، والمفعول به في عمل قوم لوط، وناكح البهيمة، وناكح يده، والجامع بين المرأة وابنتها، والزاني بحليلة جاره، والمؤذي جاره حتى يلعنه، والناكح للمرأة في دبرها؛ إلا أن يتوب)، ثم قال: وهذا إسناد ضعيف؛ لضعف عبد الرحمن بن زياد الإفريقي؛ وقد مضى غير مرة، وقد روي من حديث أنس أيضاً، لكنه ضعيف أيضاً ا. هـ.، وانتقد الشيخ الألباني -رحمه الله- كلام الشيخ علي القاري في " المصنوع في معرفة الحديث الموضوع " (١/ ١٩٩): بأنه لا أصل له، صرح به الرهاوي ا. هـ، والله أعلم.