للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[[الفرق بين قطع طرف العبد وطرف غير مأكول اللحم]]

وقوله (بخلاف قطع [طرف العبد] (١) المملوك) متعلق بما يليه، وهو قوله: (٢) (للمالك أن يُضمِّنه جميع قيمة (٣) الدابة)؛ وحاصل الفرق بين قطع طرف الدابة التي هي غير مأكول اللحم، وقطع طرف المملوك هو: أن الآدمي بقطع طرف منه لا يصير مُستهلَكًا من كل وجه لبقائه صالحًا لعامة ما كان صالحًا له من قبل، والدابة تصير مُستهلَكة بقطع طرف منها؛ فإنه لا ينتفع بها ما هو المقصود من الحمل والركوب بعد هذا القطع؛ فلذلك كان لصاحبها أن يتركها للغاصب، ويضمنه قيمتها (٤).

[[الضمان فيمن خرق ثوب غيره خرقا يسيرا]]

(ومن خرق ثوب غيره (٥) خرقًا يسيرًا ضمن) ولفظ الثوب هنا يَحتمل لما يُلبس كالقميص، وهو ظاهر، ولِما لم يُلبس كالكِرْباس (٦)، بدليل وضع محمد (٧) - رحمه الله- هذه المسألة فيه فقال: (وإذا غصب ثوبًا فقطعه قميصًا ولم يخطه) على ما ذكر، وهذا إنما يتحقق في الكرباس، وبدليل تعليل شمس الأئمة السرخسي- رحمه الله- أيضًا في «المبسوط» (٨) على ما يَذكر؛ لأنه استهلاك من هذا الوجه؛ لأن الاستهلاك عبارة عن إتلاف العين أو إتلاف عامة منافعها، والنقصان عبارة عن تعييب منافعها مع بقاء أصلها.

[[الخرق الفاحش هو ما يفوت به بعض العين]]

(والصحيح أن الفاحش (٩) ما يَفُوت به بعض العين)، هذا احتراز عما ذكر قبله: (أن الفاحش ما يبطل به عامة منافعه)، وعما ذكروا غير ذلك، وحاصل ذلك: أن المتأخرين اختلفوا (١٠) في الحد الفاصل بين الخرق اليسير والفاحش؛ بعضهم قالوا: إن أوجب نقصانَ ربعِ القيمة فصاعدًا فهو فاحش، وإن كان دون ذلك فهو يسير؛ وقال بعضهم: إن أوجبَ نقصانَ نصف القيمة فهو فاحش وما دونه يسير؛ وقال بعضهم: الفاحش ما لا يصلح لثوب ما، واليسير ما يصلح؛ قال شيخ الإسلام (١١) (١٢) - رحمه الله-: ما ذكروا من التحديد من هذه الوجوه الثلاثة لا يصح بدليل مسألة قطع القميص؛ فإن محمدًا أثبت لمالك الثوب الخيارَ بعدما قطع القميص، فقال (١٣): وإذا غصب ثوبًا وقطعه قميصًا ولم يخطه فله أن يأخذ ثوبه، وضمَّنه ما نقصه القطع، وإن شاء ترك الثوب عليه وضمنه قيمته؛ والثوب بعدما قُطع قميصًا يصلح للقميص إن كان لا يصلح للقَبَاء (١٤) وأمثاله، والساقط من القيمة أقل من النصف وأقل من الربع، ومع هذا اعتبره محمد فاحشًا، فالصحيح من الحدِّ ما قاله محمد (١٥): إن الخرق الفاحش ما يَفُوت به بعض العين وبعض المنفعة بأن فات جنس المنفعة (ويبقى بعض العين وبعض المنفعة، واليسير من الخرق ما لا يفوت به شيء من المنفعة) وإنما تفوت الجودة ويدخل بسببه نقصان في المالية.


(١) سقطت في (أ).
(٢) في (أ): زيادة (قبح).
(٣) سقطت في (ع).
(٤) انظر: المبسوط للسرخسي (١١/ ٨٦)، العناية شرح الهداية (٩/ ٣٤١).
(٥) في (ع): (إنسان) وما أثبت هو الصحيح انظر: الهداية (٤/ ٣٠١).
(٦) الكِرْباسُ فارسيٌّ معرب، والكِرْباسَةُ أخصُّ منه، والجمع الكرابيس، وهى ثياب خشنة. الصحاح مادة (ك ر ب س) (٣/ ٩٧٠) لسان العرب (٦/ ١٩٥) واصطلاحًا: ثوب من القطن الأبيض. الدر المختار (٥/ ١٨٠).
(٧) انظر: المبسوط للشيباني (١٢/ ١٣٥)، الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (ص: ٣٥١).
(٨) انظر: المبسوط للسرخسي (١١/ ٨٥).
(٩) الفاحش: كُلُّ شَيْءٍ جَاوَزَ حَدَّهُ. الصحاح مادة (ف ح ش) (٣/ ١٠١٤).
(١٠) انظر: المحيط البرهاني (٥/ ٤٦٧ - ٤٦٨)، العناية شرح الهداية (٩/ ٣٤١)، الجوهرة النيرة (١/ ٣٤١).
(١١) هو: حمد بن الحسين بن محمد، أبو بكر البخاري، المعروف ببكر خواهر زاده، أو خواهر زاده، فقيه، كان شيخ الأحناف فيما وراء النهر، وكان إمامًا فاضلًا، وله طريقة حسنة مفيدة، جمع فيها من كل فن، مولده ووفاته في بخارى، له (المبسوط) و (المختصر) و (التجنيس) في الفقه، وأملى ببخارى مجالس، وخرَّج له أصحاب أئمة. توفي ٤٨٣ هـ. انظر: تاريخ الإسلام (١٠/ ٥٢٠)، الجواهر المضيئة (٢/ ٤٩)، تاج التراجم (ص: ٢٥٩)، الفوائد البهية (١/ ١٦٣ - ١٦٤).
(١٢) انظر: المحيط البرهاني (٥/ ٤٦٨)، درر الحكام (٢/ ٢٦٦)
(١٣) انظر: المبسوط للشيباني (١٢/ ١٣٥)، المبسوط للسرخسي (١١/ ٨٥)، تحفة الفقهاء (٣/ ٩٢)
(١٤) القَبَاءُ: الَّذِي يُلْبَسُ وهو ثوب يلبس فَوق الثِّيَاب أَو الْقَمِيص ويتمنطق عَلَيْهِ. الصحاح مادة (ق ب ا) (٦/ ٢٤٥٨)، المعجم الوسيط (٢/ ٧١٣)، معجم لغة الفقهاء (ص: ٣٥٥)
(١٥) انظر: المبسوط للشيباني (١٢/ ١٣٥)، المحيط البرهاني (٥/ ٤٦٨)، الجوهرة النيرة (١/ ٣٤١).