للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وتأويل حديث أنس -رضي الله عنه- أن الرَّد كان على طريق المروة، ومكارم الأخلاق لا على طريق أداء الواجب، وكانت القصعتان لرسول الله -عليه السلام-، ومعنى قول علي: «يُفَكُّ بالغلام» أي: بقيمة الغلام؛ لأنه قد صحَّ عن عمر وعلي-رضي الله عنهما- أنهما قضيا في ولد المغرور بالقيمة).

[[العدديات المتفاوية لا مثل لها]]

(معناه العدديات المتفاوتة) كالبطيخ (١) والرمان، وأما العددي المتقارب كالجوز والبيض والفلوس فهو كالمكيل، وإنما قيَّد به ولم يقل كالمكيل والموزون؛ لأن من الموزونات ما ليس بمثلي، وهو الوزني الذي في تبعيضه ضرر كالمَصُوغ من القُمْقُم، والطَّشتُ (٢) (٣)، وذكر في «المغني» (٤) و «الذخيرة» (٥) ثم أن مشايخنا استثنوا من الموزونات النَّاطِف (٦) الْمُبَزَّر (٧) بتقديم الزاي، والدُّهْن المُرَبَّى (٨)، فقالوا (٩): بضمان القيمة فيهما؛ لأن النَّاطِف يتفاوت بتفاوت الْمُبَزَّر، وكذلك الدُّهْن المُرَبَّى ثم ما ذكره (أن العددي المتقارب كالمكيل حتى يجب مثله) فهو مذهبنا، خلافًا لزفر (١٠)؛ فإن عنده يجب فيه القيمة لا المثل (١١)، (وهو بناء على الاختلاف المذكور في جواز السَّلم فيه عددًا (١٢)؛ ثم زفر-رحمه الله-يقول: المثل فيما يُؤَدَّى به الضمان منصوص على اعتباره، والمماثلة في العدديات المتقاربة غير ثابتة بالنص بل بالاجتهاد؛ ولهذا لا يجري فيها الربا؛ لأنها ليست بأمثال متساوية قَطعًا، فصار إلى القيمة لتَعَذُّر أداء المثل قطعًا؛ ولكنا نقول: المماثلة في آحاد هذه الأشياء ثابتة بالعرف، فهي كالثابتة بالنص (١٣) فيما هو المقصود، وهو جبران حق المغصوب منه، ومراعاة الجنس والمالية عليه) كذا في «المبسوط» (١٤).


(١) البِطِّيخُ: مِنَ اليَقْطِين الَّذِي لَا يَعْلُو، وَلَكِنْ يَذْهَبُ حِبَالًا عَلَى وَجْهِ الأَرض، وَاحِدَتُهُ بِطِّيخة. لسان العرب مادة (ب ط خ) (٣/ ٩).
(٢) الطَّسْتُ: من آنية الصُفْر، إِنَاء كبير مُسْتَدِير من نُحاس أو نحوه يُستعمل للغسيل. لسان العرب مادة (ط س ت) (٢/ ٥٨)، معجم اللغة العربية المعاصرة (٢/ ١٤٠٠).
(٣) انظر: فتح القدير (٩/ ٣٢١)، البناية شرح الهداية (١١/ ١٨٧).
(٤) انظر: المحيط البرهاني (٥/ ٤٧٥)، البحر الرائق (٨/ ١٢٥).
(٥) انظر: المحيط البرهاني (٥/ ٤٧٥)، درر الحكام (٢/ ٢٦٢)، البحر الرائق (٨/ ١٢٥).
(٦) النَّاطِفُ: السَّائِل من الْمَائِعَات وَضَرب من الْحَلْوَى؛ يُصنع من اللَّوز والجَوز والفُسْتق. مختار الصحاح مادة (ن ط ف) (ص: ٣١٣)، المعجم الوسيط (٢/ ٩٣٠).
(٧) الْمُبَزَّرُ: هُوَ الَّذِي فِيهِ الْأَبَازِيرُ وَهِيَ التَّوَابِلُ جَمْعُ أَبْزَارٍ. المغرب مادة (ب ز ر) (ص: ٤٢)، مختار الصحاح (ص: ٣١٣)، تاج العروس (١٠/ ١٦٧).
(٨) رَبَبْتُ الدُّهْنَ: غَذَوْتُه بالياسَمينِ أَو بَعْضِ الرَّياحِينِ. لسان العرب (١/ ٤٠٥).
(٩) في (ع): (فقال) وما أثبت هو الصحيح لسياق الكلام.
(١٠) انظر: المبسوط للسرخسي (١١/ ٥١)، بدائع الصنائع (٧/ ١٥٠)، البناية شرح الهداية (١١/ ١٨٦).
(١١) قال ابن عابدين: (ثم نقل عن الجامع: العددي المتقارب كله مثلي كيلًا وعدًا ووزنًا. وعند زفر قيمي، وما تتفاوت آحاده في القيمة فعددي متفاوت ليس بمثلي). حاشية ابن عابدين (٦/ ٢٥٤).
(١٢) قال المرغيناني: (العددي المتقارب معلوم القدر مضبوط الوصف مقدور التسليم فيجوز السلم فيه). الهداية (٣/ ٧٠).
(١٣) انظر: المغني في أصول الفقه (١/ ١٥٨)، المبسوط للسرخسي (٤/ ٢٢٧).
(١٤) للسرخسي (١١/ ٥١).