للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما الجواب عن تعلقه بالخبر قلنا: معه قوله: «لا يؤمن أحد أحدًا بعدي جالسًا» (١)، أي لجالس هو قادر على القيام، ونحن هكذا نقول فكان النبي عليه السلام مخصوصًا به، وإنما قلنا ذلك بدليل قصة الحديث، وهو ما روى الزهري (٢) عن أنس بن مالك -رحمه الله-: أن رسول الله عليه السلام سقط من فرسه فجحش شقه الأيسر، في رواية مبسوط شمس الأئمة: وشقه الأيمن، في رواية مبسوط شيخ الإسلام -رحمه الله-: فلم يخرج أيامًا، فدخل عليه أصحابه، فوجدوه يصلي قاعدًا، فافتتحوا الصلاة خلفه قيامًا، فأشار إليهم أن أقعدوا، فلما فرغ من صلاته قال: «إنما جعل الإمام إمامًا ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه، فإذا صلى قائمًا فصلوا قيامًا فرادًا، وإذا صلى قاعدًا فصلوا قعودًا أجمعين لا يؤمن أحد بعدي جالسًا» (٣) أي: بعدي لجالس هو قادر على القيام كما فعلته أنا فإني كنت مخصوصًا بذلك، كذا في المبسوطين (٤)، والأسرار (٥).

[[صلاة المومئ]]

ثم قال في الأسرار: وكلام محمد أحب القولين إلي. قوله: ويصلي المومئ خلف مثله؛ لأنهما سواء، فإن كان الإمام يصلي قاعدًا والمقتدي قائمًا بإيماء صح اقتداؤه به أيضًا؛ لأن هذا القيام ليس بركن حتى كان الأولى تركه دل عليه لو عجز عن السجود، وقدر على غيره من الأفعال يصلي قاعدًا بإيماء. كذا ذكره الإمام التمرتاشي إلا أن يومئ المؤتم قاعدًا، والإمام مضطجعًا، أي (فحينئذ) لا يجوز (٦).

وذكر الإمام التمرتاشي حكم المسألة على خلاف هذا فقال: واختلف في اقتداء الذي يصلي قاعدًا موميًا بالذي يصلي مضطجعًا، والأصح: أنه يجوز على قول محمد، وكذلك الأظهر على قولهما جوازه (٧)، ولكن ذكر في «المحيط» (٨) ما يوافق رواية «الهداية» فقال في تعليله: إن حال المستلقي في الإيماء دون حال القاعد، ألا ترى أنه لا يجوز صلاة التطوع بالإيماء مستلقيًا إذا كان قادرًا على القعود، ثم ذكر الإمام التمرتاشي، وعلى هذا الخلاف اقتداء السليم بالأحدب الذي بلغ أحد برائه حد الركوع (٩)، فكان هذا على خلاف ما ذكرت قبل من «الأسرار»، ولكن رواية «المحيط» (١٠) مثل رواية «الأسرار» (١١).


(١) سبق تخريجه ص (١٦٠).
(٢) هو: محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب الزهرى القرشي، كنيته أبو بكر، رأى عشرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان من أحفظ أهل زمانه وأحسنهم سياقًا لمتون الأخبار، وكان فقيهًا فاضلًا. روى عنه الناس مات ليلة الثلاثاء لسبع عشرة خلت من شهر رمضان سنة أربع وعشرين ومائة في ناحية الشام، وقبره ببدا وشغب مشهور يزار على قارعة الطريق أوصاه أن يدفن على قارعة الطريق حتى يمر به مار فيدعو له.
ينظر: ثقات ابن حبان: ٥/ ٣٤٩)، التاريخ الكبير (١/ ٢٢٠)، الجرح والتعديل (٨/ ٧١).
(٣) لم أجده بهذا اللفظ في كتب السنة، وإنما في المبسوط للسرخسي ١/ ٢١٤.
(٤) يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي: ١/ ٣٩٤.
(٥) يُنْظَر: كشف الأسرار: ٢/ ١٠٦.
(٦) يُنْظَر: العناية شرح الهداية: ١/ ٣٧١.
(٧) يُنْظَر: البحر الرائق: ١/ ٣٨٧.
(٨) يُنْظَر: المحيط البرهاني: ٢/ ١٠٤.
(٩) يُنْظَر: شرح فتح القدير: ١/ ٣٦٨.
(١٠) يُنْظَر: المحيط البرهاني: ٢/ ١٠٤.
(١١) يُنْظَر: كشف الأسرار: ٢/ ١٠٦.