للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أحديها: مثل قول أبي حنيفة ومحمد (١) -رحمهما الله-.

والثانية: أن حقَّ المالك لا يسقط عنه، ولكن ملكه يزول عنه، وتباع له العين في دينه وهو أحق به من جميع الغرماء إن مات.

[[روايات عن أبي يوسف فيمن غصب الحنطة]]

وفي رواية له: أن يأخذ الدقيق ويَبرأ الغاصب من الضمان؛ لأنه يُؤدي إلى الربا؛ لأنَّ الدقيق عين الحنطة من وجه، فكان له أن يأخذه كما قبل الطحن، وهذا لأنّ عمل الطحن في تفريق الأجزاء لا في إحداث ما لم يكن موجودًا، وتفريق الأجزاء لا يُبَدِّل العين كالقطع في الثوب، والذبح والسلخ في الشاة؛ والدليل (٢) على بقاء جنس الحنطة فيه: جريان الربا بينهما ولا يجري الربا إلا باعتبار المجانسة، فلمَّا ثبتت الجنسية بين الحنطة/ ودقيقها [كان أخذ الدقيق بمنزلة أخذ عين الحنطة، فلو أُخذ عين الحنطة كان لا يجوز أن يأخذ معها شيئًا آخر] (٣)، لنقصان صفتها بسبب الْعُفُونَة لأدائه إلى الربا على ما مرَّ، فكذلك ههنا، (وتتبعه الصنعة)، وهي صنعة الغاصب من جعله دقيقًا وغيره (٤).

[[إذا هبت الريح في الحنطة وألقتها في طاحونة]]

(كما إذا هبّت الريح في الحنطة وألقتها في طاحونة (٥) فطحنت) أي: بكون الدقيق هناك لمالك الحنطة فكذلك ههنا، غاية ما في الباب أن في صورة النزاع تخلَّل فعل الغاصب ولكن فعله عدوان، والعدوان لا يصلح أن يكون سببًا للملك، فلغا فعله فصار كالحنطة التي هبّت الريح فيها، وألقتها في طاحونة فطحنت من هذا الوجه، إلى هذا أشار في «المبسوط» (٦) و «الإيضاح» (٧)، فأرَّبت الشاة جعلها إرْبًا إرْبًا أي: عضوًا عضوًا (٨)، (ولنا: أنه أحدث صنعة متقوّمة) لأنّ عين الحنطة تزداد قيمتها [فصُنعه جَعَل الدقيق بعد زوال اسمها، وكذلك ذبح الشاة طبخها أو شيِّها تزداد قيمتها] (٩) مع زوال اسم الشاة، فازدياد القيمة يؤثر [في اعتبار] (١٠) فعل الغاصب، وزوال الاسم يدل على المغايرة؛ وبهذين الوصفين يُعلم أنه لم يبق للمالك حق استرداد عين الدقيق واللحم المطبوخ؛ لأنّ حق المالك في عين المغصوب، ولم يبق عينه وليس له إبطال الصنعة المتقوّمة (١١).


(١) أي: يزول ملك المغصوب منه ويملكها الغاصب ويضمنها.
(٢) انظر: المبسوط للسرخسي (١١/ ٨٧)، فتح القدير (٩/ ٣٣٣).
(٣) سقطت في (ع).
(٤) انظر: المحيط البرهاني (٦/ ٣٥٤)، فتح القدير (٩/ ٣٣٣).
(٥) الطَّاحُونَةُ: آلة تُستخدم في طحْن الغلال والحبوب. انظر: المغرب مادة (ط ح ن) (٢/ ٢٨٨)، معجم اللغة العربية المعاصرة (٢/ ١٣٩٠)
(٦) انظر: المبسوط للسرخسي (١١/ ٨٧).
(٧) انظر: العناية شرح الهداية (٩/ ٣٣٤)، البناية شرح الهداية (١١/ ٢٠٥).
(٨) انظر: الصحاح (١/ ٨٦)، المغرب (ص: ٢٣).
(٩) في (أ): في هامش الصفحة.
(١٠) سقطت في (ع).
(١١) انظر: فتح القدير (٩/ ٣٣٣)، البناية شرح الهداية (١١/ ٢٠٦).