للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

«لا صيامَ لَمِنْ لم يَنْوِ الصِّيَامَ» (١) لَفْظُ الصِّيَامِ يقُع مصدراً، وجمعُ الصائمِ يقال: صامَ صوماً، وصِياماً فهو صائمٌ، وهم صُوَّمٌ، وصِيَاْمٌ، كذا في «المُغْرِب» (٢)،

[[وقت النية]]

والمراُد في الحديثِ المصدرُ، ورُوِيَ برواياتٍ مختلفةٍ: «لمَنْ لم يعزِم الصِّيَامَ» (٣)، «لَمِنْ لم يُثْبِتْ الصيامَ» (٤)، «لَمِنْ لم ينوِ الصِّيَامَ» (٥) كذا ذكرهُ شيخُ الإسلامِ (٦) -رحمه الله- بخلافِ النفلِ؛ لأنُه منُجزٌ عندَهُ، ذَكَرَ في «الوجيزِ الغزالي» (٧) (٨) تجوزُ نيةُ التطوِّعِ قبلَ الزوالِ، وبعدَهُ قولان (٩)، وهذا بِشرْطِ خُلوِّ أولِ اليومِ عن الأَكْلِ، وفي اشتراطِ خُلُوِّ الأَولِ عن الكفرِ، والجنونِ، والحيضِ خلاِفٌ (١٠)، وذَكَرَ في «الْأَسْرَار» (١١)، ولِأَنَّ ما مضى مِنَ النهارِ لم يكنْ صوماً لِعَدَمِ الشْرطِ، وما بقَي لا يكفي للواجبِ؛ لأنَّ الواجبَ صومُ يومٍ كَاملٍ بخلافِ التطوِّعِ؛ لأنُه ليسَ بواجبٍ، فيصحُّ بقَدَرِ ما بقيَ، كالِاعْتِكَافِ الذي ليسَ بواجبٍ يتأدّى بقَدَرِ ما يكونُ مِنَ النهارِ، ولِأَنَّ القياسَ في النفلِ أنْ لا يجوزُ إِلاَّ بالنيةِ مِن الابتداءِ كما في نَفْلِ الحجِّ، والصَّلَاةِ، وإنما جوّزَ به بخلافِ القياسِ بالأثرِ، فلمْ يجزْ قياسُ نحوِهِ عليهِ، ولعلمائِنا قولُ اللهِ تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} (١٢)، أي: الشهرُ، أي: ليجعلَ الإمساكَ للهِ تعالى فيهِ، وبالنيةِ في أكثرِ النَّهارِ يصيرُ للهِ تعالى كما في غير رمضانَ فلا تجبُ الزيادةُ؛ لأنهُ نسخٌ، وفي حديثٍ مَشَهورٍ عنِ النبي -عليه الصلاة والسلام- أصبحواَ يومَ الشَّكِ مُفطرينَ متلوِّمينَ، أي: غيرَ عازمينَ الصَّوْم، ولا آكلينَ، فإنه بعدَ الأَكْل يتعينُ الفِطْرِ، ولا يبقى بعدَهُ تَلَوَّمٌ (١٣) وانتظاُر، وإنما يتحققُ التلوُّمِ مع الإمساكِ بلا نيةٍ حتى أنْ يتبينَ أنهُ مِن شعبانَ أَكَلَ بِلا حَرَجٍ، وإنْ تبّينَ أنهُ مِن رمضانَ صامَ بلا حَرجٍ، ولو كانَ الصَّوْم لا تَصِحُّ نيتهُ في النّهارِ في الفرضِ لم يكنْ للتلوُّمِ معنى، وفي حديثِ مُشهور عنِ النبيِّ -عليه الصلاة والسلام- أنهُ قالَ يومَ عاشوراءَ: «ألا مَنْ أَكَلَ فلا يَأْكُلُ بقيةَ يومِهِ، ومَنْ لم يَأْكُلْ فَليُصُمْ» (١٤) أمرهُمْ بالصَّوْم مِنْ النهارِ، فثبتَ أنهُ جائُزُ، فإنْ قِيلَ: يحُتملُ أنْ يكونَ هذا في النَّفْلِ، وفي النفلِ يجوُز. قلنا: الأمُر على وجوبِ، وأنُه قِبْلَ رمضانَ] كانَ واجباً (١٥) فكانَ النبيُّ -عليه الصلاة والسلام- يأمُرهُمْ (١٦) بعدَ ذلك، ألا ترى أنهُ أمَر مَنْ أَكَلَ بالإمساكِ، وأنهُ لا يجبُ في وقتِ نفلِ الصَّوْم، ويختصُّ بوقتِ الفرضِ كما في رمضانَ اليومَ، ثُمَّ انتساخُ الفرضيةِ لمِا يدلُّ على انتساخِ جوازِهِ بنيتهِ منَ النهارِ حينَ كانَ فرضاً، بلْ يدلُ على سقوطِ فرضيتِةِ في المستقبلِ لا غير، «ومَنْ لم يَأْكُلْ فليَصُمْ» (١٧)، وهذا نصٌّ في البابِ لا يَحْتِملُ التأويلَ، ولا يجوزُ الحَمْلُ على صَوْمِ اللُّغةِ؛ لأنهُ لو كانَ كذلكَ لكانَ الأَكْلُ وغيُرهُ سواءً، كذا في «الْأَسْرَار» (١٨).


(١) بحثت في كتب الحديث، ولم أجد من روى هذه الرواية التي ذكرها المؤلف، وإنما بلفظ: (لا صيام لمن لم يفرضه من الليل)، أخرجها ابن ماجه في سننه (١/ ٥٤٢)، باب ما جاء في فرض الصَّوْم من الليل، من حديث حفصة -رضي الله عنها-، وقد صححه الألباني في صحيح ابن ماجه (١/ ٢٨٤).
(٢) يُنْظَر: (١/ ٤٨٧).
(٣) بحثت في الكتب التي خرجت الحديث، ولم أجد من روى هذه الرواية التي ذكرها المؤلف، والله أعلم في صحتها، إلا أن الترمذي بوب بها (٣/ ١٠٧) فقال: باب لا صيام لمن لم يعزم من الليل، وكذلك ابن أبي شيبة في مصنفه (٣/ ٣١) قال: باب لا صيام لمن لم يعزم الصِّيَامَ من الليل، ولم يخرجا هذه الرواية التي ذكرها المؤلف، فالله أعلم.
(٤) رَوَاهُ الْبَيْهَقِي في معرفة السنن والآثار (٨٥٣٧ - ٦/ ٢٢٧).
(٥) يُنْظَر: مشكاة المصابيح: (٦/ ٩٢٥).
(٦) يُنْظَر: المَبْسُوط للشيباني (٢/ ٣٠٣).
(٧) كتاب الوجيز في فقه الإمام الشافعي؛ لحجة الإسلام أبي حامد محمد بن محمد الغزالي، الكتاب مطبوع في مجلدين، بتحقيق علي معوض وعادل عبدالموجود طبعته دار الأرقم سنة ١٤١٨ هـ.
(٨) يُنْظَر: العزيز شرح الوجيز (٦/ ٣٠٨).
(٩) اختلف الفقهاء في نية التطوع للنفل هي هي قبل الزوال أو بعده على ثلاثة أقوال: ذهب الحنفية والشَّافِعِية ورواية عن الحنابلة إلى أن التبييت ليس بشرط، ويجوز بنية من النهار، ولكن قبل الزوال لا بعده.
وذهب الأمام مالك إلى أن التبييت شرط فيه كالقضاء، وهو مذهب مالك، وفي رواية عن الشَّافِعِية والحنابلة أنه تجوز النية من النهار، قبل الزوال وبعده.
يُنْظَر: المَبْسُوط (٣/ ١٥٣)، تُحْفَةِ الْفُقَهَاء (١/ ٣٤٩)، الْمَجْمُوع (٦/ ٢٩٢)، الْحَاوِي (٣/ ٤٠٥)، التلقين (١/ ٧١)، التاج والإكليل (٢/ ٤١٨)، الْمُغْنِي (٣/ ٢٩)، حاشية الروض المربع (٣/ ٣٨٥).
(١٠) اختلف الفقهاء في وقت النية قال أبو حنيفة: إن وقت النية في رمضان، الليل كله، وما قبل الزوال من النهار وقال الشَّافِعِي واحمد: لا تصح النية إلا بالتبييت من الليل، وبه قال مالك وأحمد.
يُنْظَر: مغني المحتاج (١/ ٤٢٣)، الإقناع للشربيني (١/ ٢٣٥)، الذخيرة للقرافي (٢/ ٤٩٨)، الْمُغْنِي (٣/ ١٧)، الشرح الكبير (٣/ ٢٢).
(١١) يُنْظَر: العناية (٢/ ٣١٣)، البناية (٣/ ٦٠٧).
(١٢) سورة البقرة الآية (١٨٥).
(١٣) أي متريثا على مهل، من تلوّم تلوما أي الانتظار والتمكث، يُنْظَر: مختار الصِّحَاح (١/ ٦١٢).
(١٤) سبق تخريجه ص (٢٦٢).
(١٥) سقطت في (ب).
(١٦) يشير المؤلف -رحمه الله- إلى مسألة صيام عاشوراء وأكثر أهل العلم كما ذكر صاحب فتح قدير (٢/ ٣٠٥) على أنه كان فرضاً ثم نسخ بصوم رمضان قال في عمدة القارئ (٩/ ٤٣٤). كانوا يصومون يوم عاشوراء وهو اليوم العاشر من محرم وكان فرضا فلما نزل فرض رمضان نسخ صوم يوم عاشوراء.
(١٧) سبق تخريجه ص (٢٦٢).
(١٨) يُنْظَر: بَدَائِعُ الصَّنَائع (٢/ ٧٩)، المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (٣/ ١٥٣).