للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وحاصله: أن الإحرام وإن كان شرطًا بدليل أنه يستدام (١) من أول الأفعال إلى آخرها، كما في سائر الشروط بدليل جواز تقديمه على أشهر الحجّ كالطهارة للصلاة، لكن أثر أحكام الأركان أيضًا قد ظهر في حقه.

ألا ترى أن فائت (٢) الحجّ ليس له أن يستديم الإحرام إلى أن يؤدي الحجّ به في السنة القابلة) ذكره في باب المُحصر من «المبسوط» (٣)، ولو كان من الشرائط المحضة؛ لكان له ذلك كما في الطهارة للصلاة، ولما كُره تقديمه على أشهر الحجّ كما لا يكره تقديم الوضوء على الوقت.

ولا ينعقد إحرامه لعمرتين أو حجتين معًا عند محمد -رحمه الله- اعتبارًا بسائر الأركان حيث لا يصح كالطواف لعمرتين، فلذلك عمل بالاحتياط (٤) بتجديد الإحرام في حق الصبي إذا بلغ اعتبار يشبه الركنية، والله أعلم بالصواب.

فصلٌ: فِي أفعالِ الحَجّ

لما ذكر من يجب عليه الحجّ، وذكرشروط الوجوب، وما يتبعها شرع في بيان أول أمكِنة يُبْتَدأُ بأفعال الحجّ فيها، وهي المواقيتُ التي لا يجوز أن يجاوزها الإنسان إلّا محرمًا.

المواقيت (٥): جمع الميقات؛ وهو الوقت المحدود، فاستعير للمكان: كالمكان استعير للزمان في قوله تعالى: {هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ} (٦).

اعلم: أن البيت لما كان معظمًا مُشرَّفًا جُعل له

[المواقيت المكانية]

حِصنٌ، وهو مكّة. وحِمى، وهو الحرم. وللحرم حِمى؛ وهو المواقيت حتى لا يجوز لمن دونه أن يتجاوزه إلا بالإحرام (٧) تعظيمًا للبيت، والأصل فيه (٨) أن كل من قصد مجاوزة (٩) ميقاتين لا يجوز إلا بالإحرام، ومن قصد مجاوزة ميقات واحد حل له المجاوزة بغير إحرام، [بناءً على] (١٠) أن من أتى ميقاتًا بنية الحجّ أو العمرة (١١) أو دخول مكة لحاجةٍ لا يجوز إلا بالإحرام؛ لأنه قصد مجاوزة ميقاتين ميقات أهل الآفاق، وميقاتُ أهل الحل (١٢)، والحيلة لمن أراد دخوله بغير إحرام، أن يقصد الآفاقي بستان بني عامر (١٣) أو غيره من الحل فلا يجب الإحرام؛ لأنه قصد مجاوزة ميقات واحد.


(١) يستدام: أي يستمر، انظر: مختار الصحاح، مادة دوم، (ص ٧٩)
(٢) فائت: أي تارك أو مهمل، انظر: مختار الصحاح، مادة فوت، (ص ٣٥٤)
(٣) انظر: المبسوط (٤/ ١١٥).
(٤) الاحتياط: الاحتراز، مختار الصحاح، مادة حوط، (ص/ ٦٢)
(٥) المواقيت جمع ميقات والمراد هنا: الأماكن التي لا يجوز لمن يريد الحجّ أو العمرة من أهل الآفاق أن يتجاوزها إلا محرمًا، وهي توقيفية حددها الشارع الحكيم.
انظر: معجم لغة الفقهاء (ص/ ٤٣٨)، التعريفات الفقهية (ص/ ٥١٢)؛ المصباح المنير (ص/ ٦٦٧).
(٦) سورة الكهف من الآية (٤٤).
(٧) ورد نقل الإجماع في: التبيين (٢/ ٧)، البحر العميق (١/ ٦٠٨)، المجموع (٧/ ٢٠٦).
(٨) ساقطة من (ج).
(٩) مجاوزة: من جاوز القول ـُ جَوْزاً، وجَوازاً، ومَجازاً: قُبل، ونَفَذَ. وـ العَقْد وغيرُه: نفَذَ ومضى على الصِّحَّة. وـ الدرهم: قُبل على ما فيه ولم يُرَدّ. وـ الموضعَ وبه: سار فيه وقَطَعه. ويقال: جاز بفلان الموضعَ: قاده حتى قطعه. وـ تعدَّاه وخلَّفه وراءه. (أجَازَ) على اسمه: أعلَمَ عليه.
انظر: المعجم الوسيط/ جاوز، (١/ ١٠٢)، والمقصود به تخطّى أو تعدى.
(١٠) أثبته من (ج).
(١١) العمرة: اسم من الاعتمار، وأصلها القصد إلى مكان عامر، ثُمَّ غلب على الزيارة على وجه مخصوص.
انظر: المغرب (١١٠)
(١٢) الحِل: هم أهل مكة وسكانها، وعكسها الآفاقي: أي من خارج مكة والقادم إليها.
انظر: الإتحاف بحديث فضل الإنصاف (ص ٣٤٦)
(١٣) بستان بني عامر: موضع قريب من مكة داخل الميقات وخارج الحرم (أي: في الحل)، قال بعضهم: من (ذات عرق) إلى بستان بني عامر (٢٢) ميلاً، ومن بستان بني عامر إلى مكة (٢٤) ميلاً، ويعرف أيضًا باسم: بستان ابن عامر، أو بطن نخلة، أو نخلة محمود بن كمال. وقيل: هذه القرية على يسار مستقبل الكعبة إذا وقف بأرض عرفات، وقيل: هي بالقرب من جبل عرفات على طريق العراق والكوفة إلى مكة.
انظر: طلبة الطلبة (ص/ ٧٢)، معجم البلدان (٥/ ٢٧٨)، البحر العميق (١/ ٦١٧)، رد المحتار (٧/ ٣٣٨).