للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولكنَّا نقول: الآية في حقِّ من ازداد كفْرًا لا في حقِّ مَن آمن وأظهر التَّوبة، وإذا أسلم يجب قبولُه، وإن كان في الرَّابعة لقوله تعالى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ} [النساء: ٩٤].

"وعَن أبي يوسف أنَّه لو فعل ذلك مِرارًا يُقتل غِيلةً، وهو أنْ ينتظر فإذا أظهر كلمة الشرك قتل قبل أن يستَتاب لأنَّه ظَهر منه الاستخفاف. وقتل الكافر الَّذي بلَغَته الدَّعوة قبل الاستتابة جائز" (١)؛ كذا في المبسوط.

(فيُمهل ثلاثة أيام؛ لأنَّها مدَّة ضُربت لإبلاء (٢) الأعذار).

فإنْ قيل: هذا نَصب الحكم بالرَّأي في الموضِع الذي لا مَدخَل للرَّأي فيه لأنَّه مِن المقادير، وفيها لا يجري الرأي. قلنا: هَذا مِن قَبيل إثبات الحكم بدلالة النَّص لأنَّ ورود النَّص في خيار البَيع بثلاثة أيام وَرَد (٣) فيه المعنى الجامع بينهما بعَينه، وذلك لأنَّ التَّقدير هناك بثلاثة أيَّام للتأمُّل، والتقدير بها ههنا أيضًا للتَّأمل.

(ولأنَّه كافر حربي)؛ لأنَّه كافر، ولَيس بذمِّي ولا مستأمِن لأنَّه لا يُقبل منه قبول الجزية، وهو لم يطلُب الأمَان، فكان حَربيًا فيُقتل لإطلاق الدَّليل وهو قوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: ٥]، وقوله -عليه الصلاة والسلام-: "من بدل دينه فاقتلوه" (٤).

(وكيفية توبته أن يتبرَّأ عَن الأَديان كلِّها)؛ ولكنْ بَعد الإتيان بكلمة الشَّهادتين (٥)؛ كذا في المبسوط والإيضاح.

[[ردة المرأة]]

(وأما المرتدة فلا تُقتل) أمَّا لو قتَلها قاتل، فلَم (٦) يضمَن شيئًا، سواء كانت حرَّة أو أمَة (٧)؛ كذا في المبسوط

(وقال الشَّافعي -رحمه الله-: تُقتَل (٨) لما روينا) وهو قوله:/ -عليه الصلاة والسلام-: "من بدل دينه فاقتلوه" (٩)، وهذه الكَلِمة تعمُّ الرِّجال والنِّساء كقوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: ١٨٥]، تبيَّن أنَّ الموجِب للقتل تبديل الدِّين لأنَّ مثل هذا في لسان صاحب الشرع لبيان العلَّة.


(١) المبسوط للسرخسي (١٠/ ١٠٠).
(٢) لإبلاء الأعذار: أي لإظهارها. البناية شرح الهداية (١٠/ ٤٤١).
(٣) في (ب) "ورود".
(٤) سبق تخريجه.
(٥) ينظر المبسوط للسرخسي (١٠/ ١١٢)، تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (٣/ ٢٨٤)، البناية شرح الهداية (٧/ ٢٦٩)، اللباب في شرح الكتاب (٤/ ١٤٩)، فتح القدير (٦/ ٧٠).
(٦) في (ب) "فلا".
(٧) المرجع السابق.
(٨) مذهب الشافعية: أنه يستوي في القتل بالردة العبد والحر، والرجل والمرأة، فتقتل المرتدة كما يقتل المرتد، وسواء مسلمًا أصليا فارتد، أو كافرًا أسلم ثم ارتد.
ينظر الأم للشافعي (٦/ ١٨١)، مختصر المزني (٨/ ٣٦٧)، الحاوي الكبير (١٣/ ١٥٥)، نهاية المطلب في دراية المذهب (١٧/ ١٦٠).
(٩) سبق تخريجه.