للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[[مسألة الحامل والمرضع]]

والحامُل، والمرضُع إذا خافتا على نفسِهِمَا إلى آخره. الواو بمعنى أو؛ لِأَنَّ هذا الحُكْمَ ثابِتُ في حقِّ كُلِّ واحدٍ منهما على الانفرادِ فكانَ كقولهِ تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} (١) أيْ: ويتبعَ؛ لأنَّ ترتيبَ هذا الجزاءِ المذكورِ على مَنْ يُشْاقِقِ الرسولَ غيرُ متوقِفٍ على اتباعِ غيرِ سبيلِ المؤمنين، بلْ كُلُّ واحدٍ منهما. لكنَّ ذْكِرَ اتباعِ غيرِ سبيلِ المؤمنين لبيانِ علوِّ درجةِ الإجماعِ حيثُ جعلَ مَخالِفَ الإجماعِ كمخالفِ الرَّسولِ -عليه الصلاة والسلام-، والدليلُ عليهِ: لفظُ «المَبْسُوط» (٢) بقوله: وإذا خافتْ الحَاملُ والمرضعُ على نفسِها أو ولدِهَا أفْطرَتْ، ولا كَفَّارَة عليهِمَا (٣) (٤).

إنّما ذُكِرَ هذا لدفعِ شُبهةٍ؛ لأنهُ يتصورُ بصورةِ مَنْ تجبُ عليهِ الكفارةُ إذا كانَ إفطارُها لأجْلِ الولَدِ؛ لأنهُ إفطارٌ في صومِ رمضانَ بعدَ الشُّروعِ فيهِ من غيرِ عُذْرِ في نفسِها، بل لمعنى في غيرِها فصارَ كالإفطارِ في رمضانَ بالتماسِ المضيفِ وغيرِهِ.

[[مسألة المكره على الفطر]]

وذَكَر في «المَبْسُوط» (٥) في بابِ الخيارِ في الإكراهِ، ولو قِيلَ: لرجُل لَتَشْرَبنَّ هذا الخمْرَ، أو لتأْكُلَنَّ هذهِ الميتةَ، أو لتقتلنَّ ابنكَ، أو أباكَ لم يسعَهُ شُرْبُ الخمْرِ، ولا أَكْلِ الميتةِ لانْعِدَامِ الضرورةِ، ألا ترى أنَّ هذا بمنزلةِ التهديدِ [بالحبسِ] في حقّهِ.

[[هل على المرضع كفارة]]

قلتُ: فعلى هذا لا يجوزُ إفطارُهُ بسببِ خوفِ هلاكَ ابنهِ في الإكراهِ لما أنّهُ جعلَ ذلكَ بمنزلةِ التهديدِ بالحبسِ، وفي التهديدِ بالحبسِ لا يجوزُ الإفطارُ أصلًا. ثُمَّ الفرقُ بينَ هذهِ المسألةِ، وبينَ مسألةِ الإكراهِ في حقِّ وجُوبِ الكَفارة: هو أنَّ هذا عُذْرٌ في الإكراهِ جاءَ مَنْ قتلَ منْ ليسَ لهُ الحقُّ، فلا يُعذَرُ في سقوطِ الكفاءةِ لصيانةِ نفسِ غيرِهِ بخلافِ الحاملِ والمرضعِ، كما في صلاةِ المعتدِّ والمريضِ، فلِأَنَّ المرضِعَ، والحاملَ مأموُرُ بصيانةِ الولدِ مقَصودًا، وهو لا يتأدَّى بدونِ الإفطارِ عندَ الخوفِ، فكانتْ مأمورةً أيضًا بالإفطارِ، والأمرُ بالإفطِارِ معَ الكفارةِ التي بناؤُها على الزَّجرِ عن الإفطارِ لا يجتمعان بخلافِ الإكراهِ، فإنَّ كُلَّ أَحَدٍ غيرُ مأمورٍ قصدًا بصيانةِ غَيرهِ، بلْ نَشَأَ الأمُر هناكَ مِن ضَرورةِ حُرْمةِ القتلِ، والحُكْمُ يتفاوتُ بتفاوتِ الأمرِ القصديِّ والضمنيِّ هو يعتبره


(١) سورة النساء الآية (١١٥).
(٢) يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (٣/ ١٧٩).
(٣) يُنْظَر بِدَايَةُ المُبْتَدِي (١/ ٤١).
(٤) يُنْظَر المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (٣/ ١٧٩)، الْمُحِيط الْبُرْهَاني (٢/ ٦٥٢).
(٥) يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (٤/ ٢٦٣).