للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالشيخ الفاني، فوجْهُ الاعتبارِ هو أنّ الفِطْرَ حَصَلَ بسببِ نفسٍ عاجزةٍ عن الصَّوْم خِلْقَةً لا عِلَّةً، فيُوجبُ الفديةَ كفِطْرِ الشيخِ الفاني، وهذا لأنّ في هذا الفِطْرِ منفعةَ شخصين (١): منفعتُها ولدها، فباعتبارِ يجبُ القضاءُ، وباعتبارِ منفعةُ ولدِها تجبُ الفديةُ، ولنا أنَّ هذهِ مُفْطِرةٌ يُرجى لها القضاءُ، فلا يلزمُها الفديةُ كالمريضِ والمسافرِ، وهذا لِأَنّ الفديةَ مشروعةٌ خَلَفًا عن الصَّوْم، والجمعَ بينَ الأصلِ، والخَلَفِ لا يكونُ، وهي خَلَفٌ غيرُ معقولٍ، بل ثابتٌ بالنصِّ في حقِّ مَنْ لا يُطِيقُ الصَّوْم (٢)، ولا يجوزُ [أن يجب] (٣) باعتبارِ الولدِ؛ لأنهُ لا صومَ على الولدِ، فكيفَ تجبُ ما هو خَلَفٌ عنهُ؟ ولأنه لا يجبُ في مالِ الولدِ، ولو كانتْ باعتبارهِ لوجبتْ في مالهِ كنفقتهِ (٤)، ولا تتضاعفُ بتعدُّدِ الولدِ، كذا في «المَبْسُوط» (٥)، ولِأَنَّ الفِدْيَةَ لو وجبتْ إنما تجبُ جبَرًا أو زَجرًا لا وجهَ إلى الأَول؛ لأنهُ حصلَ بالقضاءِ، ولا وجهَ إلى الثاني؛ لأنهُ مَعذورٌ، كذا ذكرهُ الصدرُ الشهيدُ في «شرحِ الكافي» (٦) فتذكّرْ هاهنا تعجَبَ القاضي أبي علي النسفي مِنْ إيجابِ القضاءِ معَ الفديةِ (٧).

وقد مرَّ في مسألةِ عدمِ وجوبِ الكفارةِ مع الأكلِ والشُّربِ عامِدًا على قولِ الشَّافِعِي: والشيخُ الفاني سمُاهُ فانيًا بها؛ لأنهُ قَرُبَ إلى الفَناءِ، أو لأنهُ فَنِيَتْ قوتُهُ.

ثُمَّ قولُهُ: (الذي لا يَقْدِرُ على الصِّيَامُ صفتُهُ، وقولُه: يُفْطِرُ ويُطعِمُ) (٨) خبرٌ للمبتدأ الموصوفِ، ثُمَّ الفديةُ، وهي: الإطعامُ مذهبنا (٩) وقالَ مالِكٌ (١٠): لا فديةَ عليهِ، قالَ: لِأَنَّ أصلَ الصَّوْم لم يلزمْهُ؛ لِكُوْنِهِ عاجِزًا عنه، فكيفَ يلزمُهُ خَلَفُهُ؛ لأنّ الخَلَفَ مشروعٌ لِيقُومَ مقامَ الأصلِ، ولنا أنَّ الصَّوْم قدْ لَزِمَهُ بشهودِ الشهرِ حتى لو تحمَّلَ المشقةَ، وصامَ كانَ مُؤديًا للتعرضِ، وإنما يُباحُ لهُ الفِطْرُ لِأّجْلِ الحرجِ، وعذرُهُ ليسَ بعرضِ الزوالِ حتى يُصارَ إلى القضاءِ، فوجبت الفديةُ كَمَنْ ماتَ، وعليهِ الصَّوْم، يوضحُهُ أنَّ الصَّوْم لَزِمَهُ لا باعتبارِ عينهِ، بل باعتبارِ خَلَفِهِ كالكفارةِ تجبُ على العبدِ لا باعتبارِ المالِ، بل باعتبارِ خَلَفِهِ، وهو الصَّوْم، كذا في «المَبْسُوط» (١١).


(١) يُنْظَر: الْحَاوِي (٣/ ٤٣٨).
(٢) يُنْظَر: المَبْسُوط (٣/ ١٨٠)، تَبْيِينُ الْحَقَائِق (١/ ٣٣٧).
(٣) زيادة في ب.
(٤) يُنْظَر: المَبْسُوط (٣/ ١٨٠).
(٥) يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (٣/ ١٧٩، ١٨٠).
(٦) يُنْظَر: المَبْسُوط (٣/ ١٧٩)، الْبَحْرُ الرَّائِق (٢/ ٣٠٧).
(٧) يُنْظَر: بَدَائِعُ الصَّنَائع (٢/ ٩٧).
(٨) يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (١/ ٤١).
(٩) يُنْظَر: بَدَائِعُ الصَّنَائع (٢/ ٩٧)، تَبْيِينُ الْحَقَائِق (١/ ٣٣٤).
(١٠) يُنْظَر: بداية المجتهد (١/ ٣٠١)، حاشية العدوي (١/ ٥٦٤)، إلا أنه استحب له أن يطعم.
(١١) يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (٣/ ١٨٠).