للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قيل: هذا الاستدلال فاسدٌ؛ لأن العدة تمنع أصل الخروج وعدم المحرم لا، فعُلم أن هذه الحرمة أخف.

قلنا: إنما افترقا لأن الحرمة بعدم المحرم تعم العمر كله، وهي تحتاج في العمر إلى الخروج لمصالح المعيشة، فالأسباب تضيع بلا مطالعة في العادات، فاستثنى عن التحريم قدر الخروج لمصالح ملكها كذا في «الأسرار» (١).

(وَلَنَا أَنَّ حَقَ الزوجِ لا يَظْهَرُ في حَقِّ الفَرَائِضِ).

[حكم منع الزوج زوجته من حج الفريضة]

(ألا ترى أنه لا يمنعها من صيام شهر رمضان، والمولى لا يمنع مملوكيه من أداء الصلاة والصيامات المفروضة؛ لأن ذلك مستثنى من حقه، فهذا مثله بخلاف ما إذا لم يجد محرمًا، فإن هناك الفرض لم يتوجه عليها؛ لانعدام شرطه حتى لو كانت لا تحتاج إلى سفر بأن كان بينها وبين مكة دون مسيرة ثلاثة أيام، فليس للزوج أن يمنعها، وإن لم تجد محرمًا؛ لأن اشتراط المحرم للسفر لا لما دونه، حتى لو كان الحجّ نفلًا (٢) له أن يمنعها؛ لأن حج التطوع لم يصر مستثنى من حق الزوج؛ لأن ذلك ليس بفرض عليها، فإذا أحرمت بحجة التطوع كان للزوج أن يمنعها ويُحَلِلهَا، إلا أن هاهنا لا يتأخر تحليله إياها إلى ذبح الهدي (٣)، ولكن يُحَلِلهَا من ساعته، وعليها هدي لتعجيل الإحلال وعمرة، وحجة لصحة شروعها في الحجّ بخلاف حجة الإسلام، فإن هناك لا يتحلل إلا بالهدي؛ لأن هناك لا حق للزوج في منعها، لو وجدت محرمًا، وإنما تعذر عليها الخروج لفقد المحرم، فلا تحلل إلا بالهدي، وهاهنا تعذر الخروج لحق الزوج وكما لا يجوز لهما أن تبطل حق الزوج، لا يكون لها أن تؤخر حق الزوج، فكان له أن يحللها من ساعته وتحليله لها أن ينهاها، ويصنع بها أدنى ما يحرم عليها في الإحرام من قص ظفر أو غيره، ولا يكون التحليل بالنهي، ولا بقوله: حللتكِ وهو نظير الصوم إذا صح الشروع فيه لا يصير خارجًا إلا بارتكاب محظوره) كذا في «المبسوط» (٤).


(١) الأسرار، لمؤلفه: أبي زيد عبد الله بن عمر الدبوسي الحنفي (ت ٤٣٠ هـ). تحقيق: الدكتور/ نايف بن نافع العمري. الناشر/ دار المنار، الأسرار (ص/ ٥٣٤).
(٢) نفلًا: من نفل: النَّفْلُ و النَّافِلَةُ عطية التطوع ومنه نَافِلَةُ الصلاة و النَّافِلَةُ أيضا ولد الولد والنَّفَلُ بفتحتين الغنيمة والجمع الأَنْفَالُ.
أي أعطاه نفلا و التَّنَفُّلُ التطوع. انظر: مختار الصحاح/ مادة نفل، (ص/ ٤٨٧)
(٣) الهدي: هو كل نَعَم يهديه الحاج للحرم قربانا لله تعالى وفداء عن النفس وهو من بهيمة الأنعام التي ذكرها الله تعالى في سورة الأنعام على سبيل الامتنان على بني الإنسان حيث قال سبحانه وتعالى {وَمِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (١٤٢) ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ}. والهدي واجب على كل حاج متيسر له سواء كان متمتعا أو مقرنا لقوله تعالى {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى … الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ}. البقرة من الآية (١٩٦)
وان لم يجد الهدي أو ثُمَّنه فعليه صيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع هذا إن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام وإلا فلا هدي عليه لقوله تعالى {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} البقرة من الآية (١٩٦). انظر: معجم لغة الفقهاء (ص/ ٢٤٣)
(٤) انظر: المبسوط (٤/ ١١٢).