للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فصل]

ذكر الفصل ولم يذكر الباب؛ لما أنّ الفصل يدل على التبعية بعد دخوله مع ما قبله في الجنسية وهذا كذلك؛ لما أنّ مسائل هذا الفصل في الكلام أيضاً لما قبله إلا أن ما قبله في أيمان يتعلّق بالأعيان وهذا في الأزمان والأعيان قبل الأزمان لما أنّ الأزمان يعرف بالأعيان قال الله تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ} (١) فلذلك أخّر الأزمان عن الأعيان.

قوله: (فمن حلف لا يكلّم فلانًا حينًا أو زماناً أو الحين (٢) أو الزمان) يعني ولا نية له على شيء من الوقت ولا يتفاوت بين ذكر الحين أو الزّمان مُعَرَفَاً أو مُنَكَّرَاً في إرادة ستّة أشهر؛ لأنّ ستّة أشهر لما صارت معهودة في الحين والزمان فالمُعَرَّفِ يَنَّصرِفُ إلى المعهودِ؛ (لأن الحين قد يذكر ويراد به الزّمان القليل قال الله تعالى: (حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} (٣) والمراد به وقت الصّلاة قال الله تعالى: (تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا} (٤) إنّه ستّة أشهر من حيث يخرج الطلع إلى أن يدرك التمر فعند الإطلاق يحمل على الوسط، من ذلك فإن خير الأمور أوساطها، ولأنا نعلم أنّه لم يرد السّاعة فإنّه إذا قصد المماطلة ساعة واحدة لا يحلف على ذلك) كذا في المبسوط (٥)

ولو سكت عنه يتأبد أي لو سكت عن ذكر الحين، وقال لا يكلم فلانًا يكون على الأبد (٦) فلما ذكر حينًا مع ذلك وجب أن يستفاد منه معنى سوى المعنى الذي يستفاد عند عدم ذكره، وإلا لا يكون في ذكره فائدة، ثم تلك الفائدة منه، يجب أن لا يكون الزّمان القليل، لما ذكرنا ويجب أن لا تكون لأبدٍ؛ لأنّه حينئذ يكون ذكره كلها ذكره، ويجب أن لا يكون أربعين سنة؛ لأنّها في معنى الأبد فإن الرّجل لو أراد ذلك يقول أبدًا في المتعارف فلما لم يقل ذلك علم أنّه لم يرد ولا ما في معناه فتعيّن ما قلنا لذلك (وهو ستّة أشهر).

(وقال أبو حنيفة -رحمه الله- الدّهر (٧) لا أدري ما هو) أي لا أدري دهراً المُنَّكِر كم مقداره من الزّمان؟ وإنّما توقف فيه أبو حنيفة! لأنّه وجد استعمال النّاس مختلفاً فيه، وقال أنا وجدنا استعمال الدّهر مخالفاً للحين والزّمان، ألا ترى أن مُعَرَّفَهُ (٨) يقع على الأبد، بخلاف الحين والزّمان لأن مُعَرَفَهُمَا و مُنَكَّرُهُمَا (٩) سواء يقال فلانٌ دُهرِي بضم الدّال إذا كان معمرًا ودهري إذا قال بالدَّهرِ، وأَنكَرَ الصَّانِعَ. وقال الله تعالى حكاية عنهم وقال: (وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} (١٠) وقال -عليه السلام-: «لا تسبوا الدّهر فإن الله هو الدّهر» (١١) فهذا اسم مجمل فلم يقف على مراد المتكلم عند الإطلاق، والتوقف عند تعارض الأدلّة وترك التّرجيح من غير دليل لا يكون إلا من كمال العلم والورع.


(١) سورة البقرة آية: (١٨٩).
(٢) الْحِينُ: الوقتُ يُقَالُ حِينَئِذٍ، وأيضًا يُطلق على المُدَّةُ.
انظر: مختار الصحاح (١/ ٨٦)، المغرب (١/ ١٣٥)، (حين).
(٣) سورة الروم آية: (١٧).
(٤) سورة إبراهيم: (٢٥).
(٥) انظر المبسوط للسرخسي (٩/ ١٦).
(٦) الأَبَدُ: الدَّهْرُ الطَّوِيلُ، والدائم. انظر: المغرب (١/ ١٧)، مختار الصحاح (١/ ١١)، (أبد).
(٧) الدَّهْرُ: وَالزَّمَانُ واحدٌ. وقيل الدَّهر: الزَّمَانُ الطَّوِيلُ. وقيل: الأبد.
انظر: المغرب (١/ ١٧٧)، مختار الصحاح (١/ ١٠٨)، (دهر).
(٨) أي عُرفاً.
(٩) مُنَكَّرُهُمَا: الْمُرَادُ بِالْمُنَكَّر ما لم تدخُلْهُ الْأَلِف واللَّام منهما. انظر: تبيين الحقائق (٣/ ١٣٩).
(١٠) سورة الجاثية آية: (٢٤).
(١١) عن ابي هريرة قال: قال رسول -صلى الله عليه وسلم-: «قال الله تعالى: يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وانا الدهر بيدي الأمر أقلب الليل والنهار». اخرجه البخاري (٦/ ١٣٣) في كِتَابُ تَفْسِيرِ القُرْآنِ، رقم (٦٥)، بَابُ {وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ}، رقم الحديث (٤٨٢٦)، ومسلم (٤/ ١٧٦٢) في كتاب الألفاظ من الأدب وغيرها، رقم (٤٠)، باب النَّهي عن سب الدَّهر، رقم (١)، رقم الحديث (٢٢٤٦).