للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[[لا قيمة للأموال الربوية عند المقابلة بجنسها]]

وأما إذا استهلك قلب فضة فعليه قيمته من الذهب مصوغًا (١) عندنا (٢)، وعند الشافعي (٣) يَضمن قيمته من جنسه، بناء على أصله أن للجودة والصنعة في الأموال الربوية قيمة، وعندنا لا قيمة لها عند المقابلة بجنسها، فلو أوجبنا مثل قيمتها من جنسها أدَّى إلى الربا، ولو أوجبنا مثل وزنها كان فيه إبطال حق المغصوب منه عن الجودة والصنعة، فلمراعاة حق المالك والتحرز عن الربا؛ قلنا (٤) يَضمن القيمة من الذهب مصوغًا، وإن وجده صاحبه مكسورًا فرضِيَ به لم يكن له فضل ما بين المكسور والصحيح؛ لأنه عاد إليه عين ماله فبقيت الصَّنعة منفردة عن الأصل، ولا قيمة لها في الأموال الربوية- وقد ذكرناه مرة- وكذلك إناء مصوغ كسره رجل، فإن كان من فضة فعليه قيمته مصوغًا من الذهب، وإن كان من ذهب فعليه قيمته مصوغًا من الفضة؛ للتحرز عن الربا مع مراعاة حق المغصوب منه في الصنعة). كذا في «المبسوط» (٥).

[[التبر لا يصلح رأس المال في المضاربات والشركات]]

(والتِّبر (٦) لا يصلح رأس المال في المضاربات) يعني: أن الفضة والذهب قبل أن يضربها دراهم ودنانير كان تِبرًا؛ لأن التِّبر اسم لِما كان غير (٧) مضروب من الذهب والفضة، وهو في تلك الحالة لم يصلح أن يكون رأس المال في المضاربات والشركات، فبَعد جعله دراهم ودنانير يصلح، ثبت أنهما اختلفا حكمًا (٨) بصنعة الغاصب، وكذلك اختلفا اسمًا؛ لأنَّ الفضة قبل أن يضربها دراهم اسمها فضة وبعده دراهم، والذهب قبل الضرب (٩) اسمه ذهب وبعده دينار، وإذا كان كذلك وجب أن ينقطع حق الغصوب (١٠) منه من حق المغصوب كما لو اتخذ الحديد دِرعًا (١١) أو سيفًا أو غصب صُفْرًا (١٢) واتخذه قماقم؛ لأنه صار شيئًا آخر، وعلى هذا الخلاف أيضًا لو غصب الفضة أو الذهب فصاغهما إناء؛ (وله أن العين باق من كل وجه) وفي هذا مَنَع لِمَا ادَّعَياه من أن المغصوب صار شيئًا آخر (١٣).


(١) المصوغ: صاغ الشيء سبكه والشيء مصوغ. لسان العرب مادة (ص و غ) (٨/ ٤٤٢).
(٢) انظر: المبسوط للشيباني (١٢/ ١٣٧)، المبسوط للسرخسي (١١/ ٨٨)، المحيط البرهاني (٥/ ٤٦٩).
(٣) انظر: الحاوي الكبير (٧/ ١٣٧)، المهذب (٢/ ١٩٧)، تحفة المحتاج (٦/ ٢١)، نهاية المحتاج (٥/ ١٦٢).
(٤) في (أ) (قلت) وما أثبت هو الصحيح. انظر: المبسوط للسرخسي (١١/ ٨٨).
(٥) للسرخسي (١١/ ٨٨ - ٨٩).
(٦) التِّبرُ: هو مَا كَانَ مِنَ الذَّهَبِ غَيْرَ مَضْرُوبٍ فَإِذَا ضُرِبَ دَنَانِيرَ فَهُوَ عَيْنٌ، وَلَا يُقَالُ تِبْرٌ إِلَّا لِلذَّهَبِ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُهُ لِلْفِضَّةِ أَيْضًا. الصحاح مادة (ت ب ر) (٢/ ٦٠٠).
(٧) سقطت في (ع).
(٨) سقطت في (أ).
(٩) في (أ): زيادة (مثل).
(١٠) في: ع (المغصوب).
(١١) الدِّرْع: قَمِيص من حلقات من الْحَدِيد متشابكة يلبس وقاية من السِّلَاح. انظر: مقاييس اللغة مادة (د ر ع) (٢/ ٢٦٨)، المعجم الوسيط (١/ ٢٨٠).
(١٢) والصُّفْرُ: نُحَاسٌ يُعْمَلُ مِنْهُ الْأَوَانِي. مختار الصحاح مادة (ص ف ر) (١/ ١٧٧).
(١٣) انظر: المبسوط للشيباني (١٢/ ١٤٤)، بدائع الصنائع (٧/ ١٤٩)، البناية شرح الهداية (١١/ ٢١٣).