للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(لأن القيام دليل الإعرض)

فإن قيل: لا شك أن الصريح أقوى من الدلالة، ثم هو لو قال بعد القيام: قبلت، صريحاً لا يصح أيضاً، فلو كان القيام دليل الإعراض كان ينبغي أن يترجح عليه صريح القبول (١)؛ لأن الصريح أقوى من الدلالة، قلنا: لأن رجحان الصريح على الدلالة إنما يكون عند المعاوضة، وذلك إنما يكون قبل أن يثبت الحكم بالدلالة، فلما ثبت حكم الدلالة بنفس القيام الذي هو دليل الإعراض لم يعمل بعد ذلك صريح القبول، وإن كان هو قوياً في نفسه؛ لأنه انفسخ بمجرد القيام ما كان متوقعاً، والمفسوخ لا يلحقه الإجازة (٢).

(وله ذلك)

أي: وللمُوجِبِ الرجوع عما أوجب (على ما ذكرنا) وهو قوله للموجب أن يرجع (٣) لخلوه عن إبطال حق الغير،

[[أحوال خيار القبول]]

(والحديث محمول على خيار القبول) (٤) وهو الذي ذكر قبله فالآخر بالخيار، وإن شاء قبل في المجلس، وإن شاء ردَّ (وفيه إشارة إليه) أي: في الحديث (٥) إشارة إلى خيار القبول، فوجه الإشارة هو أن الأحوال ثلاث: قبل قولهما، وبعد قولهما، والثالث بعد كلام الموجب وقبل قبول الآخر.


(١) " القول " في (ب).
(٢) الإِجَازة: هي جعل الشيء جائزاً، أي: نافذاً، كنكاح الفضولي إجازة الأصيل. واسْتَجَازَ: طَلَبَ الإِجازَةَ أي الإِذْنَ. القاموس المحيط (ص: ٥٠٧)، التعريفات الفقهية (ص: ١٧).
(٣) في (ب) زيادة "على ما أوجبه".
(٤) قال في الهداية: "وإذا حصل الإيجاب والقبول لزم البيع، ولا خيار لواحد منهما، إلا من عيب أو عدم رؤية.
وقال الشافعي -رحمه الله-: يثبت لكل واحد منهما خيار المجلس؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: «المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا»، ولنا أن في الفسخ إبطال حق الآخر، فلا يجوز. والحديث محمول على خيار القبول، وفيه إشارة إليه؛ فإنهما متبايعان حالة المباشرة، لا بعدها، أو يحتمله، فيحمل عليه، والتفرق فيه تفرق الأقوال". الهداية في شرح بداية المبتدي (٣/ ٩٣٩).
(٥) الحديث هو قوله عليه الصلاة والسلام: «المتبايعان بالخيار مالم يتفرقا». أخرجه البخاري في كتاب البيوع، باب "البيعان بالخيار مالم يتفرقا"، رقم (٢١١١)، (٢٧٩) عن نافع عن عبدالله بن عمر "رضي الله عنهما" أن رسول الله صلى الله عيه وسلم قال: «المتبايعان كل واحد منهما بالخيار، ما لم يتفرقا، إلا بيع الخيار» وأخرجه مسلم في كتاب البيوع، باب ثبوت خيار المجلس للمتبايعين، رقم (١٥٣١)، (٣/ ١١٦٣).