للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قلت: ما وجه التّخصيص بكلِّ واحدٍ منهما بذلك الاسم الذي له، ولِمَ لم يُعكَسْ مع حصول الفرق فيه أيضًا؟ قلت: الفُعَلَة -بضمِّ الفاء وفتْح العين-: نعْت المبالغة في الفاعل كالضُحَكَة واللُّعَنة (١)؛ كذا ذكره في التيسير في سورة الهمزة.

واللَّقيط بمعنى: المفعول بدَليل تفسيرهم إياه بالمنبوذ من بني آدم. ولمَّا كان كذلك كان تخصيص المال باللُّقطة (٢) الدّال على الفاعلية أولى، لأنَّه لِزيادةِ مَيل الإنسان إلى رفعها، كأنّها تأمُر كلَّ مَن رآها بأنْ يرفَعها، وبهذا الأمر كانت هي رافعة نفسَها عَلى الإسناد المجازي كناقة حَلوب، ودابَّة رَكوب، كأنّها تحلِب نفسها وتركَب على نفسِها على وجه المبالغة لزيادة رغبة من رآها في الحَلب والركوب. وأمَّا الطفل المنبوذ، الذي هو اللقيط، ففيه ضَرر حاضِر بخلاف اللُقَطة، فإنَّ فيها نفعًا ظاهرًا لأنَّ في اللَّقيط الظَّاهر أنَّ أمَّه هي التي نبذَته قصدًا فِرارًا عن موته أو فرارًا عما يُتولَّد مِن إمساكه ما تكْرَهه كتُهمةِ الزّنى وغيرها، فكان في طبع الإنسان إباءٌ عن قبوله (٣)، ورفعه فسُمي به على طريق التفاؤل ليؤول أمره إليه كالتّسليم والمفازة والقافلة للديغ والمهلكة والعير، فصارت التّسمية له بهذا الاسم، كأنها دعاء من الله تعالى أنْ يرزقه من يرفعه، وقد استجيب دعاؤه تفاؤلًا فيرفع لا محالة.

وذكر في المبسوط: "وإنّما سمُي لقيطًا باعتبار مآله وتفاؤلًا لاستصلاح حاله" (٤)؛ وهذا المعنى إنَّما يستقيم بلفظ اللَّقيط، فلذلك اختُصّ هو به.

[[حكم إلتقاط اللقطة]]

قوله: (اللُّقطة أمانة)

ذكر في المغرب: " (اللُّقَطَةُ) الشَّيْءُ الَّذِي تَجِدُهُ مُلْقًى فَتَأْخُذُهُ" (٥).

وذكر في المبسوط: اختلف النّاس فيمَن وجَد لُقَطة، فالمتقشِّفة (٦) يقولون: لا يحلُّ له أنْ يرفعها لأنَّه أَخْذ مال الغير بغيرِ إذنِ صاحبه، وذلك حرام شرعًا، فكما لا يحلُّ له تناول مالِ الغير بغيرِ إذنه لا يحلُّ له إثباتُ اليدِ عليه بغَير إذنه. وبعض المتقدِّمين مِن أئمة التَّابعين كان يقول: يحل له أَنْ يرفعها (٧) والترك أفضل له لأنّ صاحبَها إنَّما يطلُبها في الموضِع الذي سقطتْ منه، فإذا تَرَكها وجدَها صاحبُها في ذلك الموضع.


(١) ينظر فتح القدير للشوكاني (٥/ ٦٠٣).
(٢) في (ب) "باللقط".
(٣) في (أ) "قوله".
(٤) المبسوط للسرخسي (١٠/ ٢١٠).
(٥) المغرب في ترتيب المعرب (ص: ٤٢٦).
(٦) المتقشفة: وهم طائفة من الصوفية. العناية شرح الهداية (٦/ ٤١).
(٧) في (ب) "ترفعها".