للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وحصل من هذا كله أن الذي ينسب إليه بالولاء على نوعين حقيقةٍ ومجازٍ، فالحقيقة على نوعين مولى بولاء غير قابل للفسخ وهم الموالي الذين أعتقهم وأولاد هذه الموالي، وهؤلاء هم المقدمون على غيرهم في صرف الوصية للموالي إليهم؛ ومولى بولاء قابل للفسخ وهو الموالي بولاء الموالاة وهؤلاء لا يزاحمون المقدمين لضعفهم وقوة الأولين على ما ذكرنا؛ وإن كان اسم الموالي حقيقة لهم أيضًا لأن ولاء الموصي على الفريقين بمباشرته سبب الولاء بنفسه بعتق في الأولين، وعقد في الآخرين؛ وأما المجاز فهو موالي الموالي لأنه لم يعتقهم حقيقة ولكن تسبب لإعتاق من يعتقهم فكانت نسبة ولائهم له مجازًا، فلا تصرف الوصية باسم الموالي إليهم عند وجود الحقيقة، وتصرف إليهم عند عدم الحقيقة؛ وأما موالي أبيه أو ابنه فلا ينسبون إليه بالولاء لا حقيقة ولا مجازًا؛ فلذلك لا تصرف الوصية إليهم أصلًا.

قوله: بخلاف معتق البعض [هكذا وقع في النسخ لكن هو ليس بصواب بل الصواب أن يقول بخلاف معتَق المعتق] (١) كما هو المذكور في الإيضاح (٢)؛ لأنه ثبت الفرق بهذا بين موالي المولى وبين موال أعتقهم أبوه أو ابنه على ما ذكرنا من النسخة الصحيحة فيه أيضًا؛ وذلك إنما يستقيم فيما إذا قال بخلاف معتق المعتق.

وأما معتق البعض فعند أبي حنيفة: لم ينسب إليه بالولاء بعد لأنه بمنزلة المكاتب؛ والمكاتب لا يدخل تحت اسم المولى عند قيام الكتابة؛ وعندهما لو نسب إليه إنما (٣) ينسب إليه بالولاء حقيقة فلا يحتاج إلى ذكره.

والله أعلم.

* * *

بابُ الوصيَّة بالخدمةِ والسُّكنى والثمرة

لما فرغ من بيان أحكام الوصايا المتعلقة بالأعيان شرع في بيان أحكام الوصايا المتعلقة بالمنافع (٤) (٥)؛ وأخَّر هذا الباب عنه لما أن المنافع بعد الأعيان وجودًا فلذلك أوردها ذكرًا، وتجوز الوصية بخدمة عبده وسكنى داره أو غلتهما سنين معلومة، ويجوز بذلك أبدًا وهذا عندنا.


(١) ساقطة من (ج)؛ وإثباتها من (أ) و (ب) هو الصواب.
(٢) ينظر: العناية (١٠/ ٤٨٥)، البناية (١٣/ ٤٨٠).
(٣) في (ب): مما؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.
(٤) سبق تعريف المنفعة ص ٣١٦.
(٥) ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى جَوَازِ الْوَصِيَّةِ بِالْمَنَافِعِ لأِنَّ الْمُوصِيَ لَمَّا مَلَكَ تَمْلِيكَ الْمَنَافِعِ حَال حَيَاتِهِ بِعَقْدِ الإْجَارَةِ وَالإْعَارَةِ فَلأِنْ يُمَلِّكَهَا بِعَقْدِ الْوَصِيَّةِ أَوْلَى لأِنَّهُ أَوْسَعُ الْعُقُودِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَحْتَمِل مَا لَا يَحْتَمِلُهُ سَائِرُ الْعُقُودِ مِنْ عَدَمِ الْمَحَل وَالْخَطَرِ وَالْجَهَالَةِ.
-وَيَرَى ابْنُ أَبِي لَيْلَى أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ بِالْمَنَافِعِ لأِنَّهَا مَعْدُومَةٌ.
ينظر: بدائع الصنائع ٧/ ٣٥٢، تبيين الحقائق ٦/ ٢٠٢، جواهر الإكليل ٢/ ٣٢٤، مغني المحتاج ٣/ ٤٥، المغني ٦/ ٥٩