للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(لأنه مشروب طاهر) (١) (٢)

[[سبب الخلاف في بيع لبن المرأة]]

ذكر الطهارة بعد كونه مشروباً احترازاً عن الخمر وعما لا يتقوم في نفسه مع كونه طاهراً، كحبات الحنطة؛ لعدم الانتفاع (٣)، فإنه (٤) لا يجوز بيعهما لفوات وصف الطهارة في الخمر، وفوات وصف التقوم في حبات الحنطة.

(ولنا أنه جزء الآدمي)

فلا يكون مالاً؛ لأن المال هو غير الآدمي خلق لمصلحة الآدمي مما يجري فيه الشًّح والضنة (٥)، ومحل البيع هو المال حتى لا ينعقد في غيره أصلاً، وأما الدلالة أن اللبن جزء الآدمي فهو أن الشرع أثبت حرمة الرضاع بمعنى البعضية، فلما كان هو جزءه الآدمي بجميع أعضائه، مكرم، مصون عن الابتذال بالبيع (٦) وغيره، فلذلك لا يجوز بيعه. "فإن قيل: أجزاء الآدمي مضمونة بالإتلاف، فكذلك اللبن وجب أن يكون كذلك.

قلنا: أجزاء الآدمي لا تضمن بالإتلاف، بل يضمن ما انتقص من الأصل، ألا ترى أن الجرح إذا اتصل به البرء سقط الضمان، وكذلك السن إذا نبتت إلا ما يستوفى بالوطء، فإنه مضمون وإن لم ينقص شيئاً تغليظاً لباب البضع، ألا ترى أنه (٧) يجب وإن أذنت بالاستيفاء إذا لم يجب الحد، بخلاف الطرف، فإنه لا ضمان فيه مع الإذن؛ وهذا لأن ما يستوفي بالوطئ ملحق حكماً بالنفس في حق الضمان؛ لأنه احترام للماء الذي منه نفس، بخلاف من جزّ صوف (٨) شاةٍ ثم نبت آخر لم يسقط عند ضمان الأول، وبإتلاف اللبن لا ينتقص من الأصل شيء فلا يضمن" كذا في الأسرار (٩).


(١) مذهب الشافعية أنه يجوز بيع لبن الآدميات بدون كراهة؛ لأنه طاهر منتفع به. الوسيط في المذهب (٣/ ٢٠)، البيان في مذهب الإمام الشافعي (٥/ ٦١)، فتح العزيز بشرح الوجيز = الشرح الكبير للرافعي (٨/ ١٢١).
(٢) قال في الهداية: "وقال الشافعي -رحمه الله-: يجوز بيعه؛ لأنه مشروب طاهر" الهداية في شرح بداية المبتدي (٣/ ٩٧٧).
(٣) "بها" زيادة في (ب).
(٤) سقط من (ب).
(٥) الضنة والضن والمضنة، كل ذلك من الإمساك والبخل، ورجل ضنين. قال الله عز وجل: {وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ} [التكوير: ٢٤] ما هو ببخيل كتوم لما أوحي إليه. لسان العرب (١٣/ ٢٦١)، الفرق بين الضاد والظاء فى كتاب الله -عز وجل- وفى المشهور من الكلام (ص: ٣٨).
(٦) قال في الهداية: "ولا فرق في ظاهر الرواية بين لبن الحرة والأمة. وعن أبي يوسف -رحمه الله- أنه يجوز بيع لبن الأمة؛ لأنه يجوز إيراد العقد على نفسها، فكذا على جزئها. قلنا: الرق قد حل نفسها، فأما اللبن فلا رق فيه" الهداية في شرح بداية المبتدي (٣/ ٤٦).
(٧) أي: إن الضمان.
(٨) سقط من (ب).
(٩) الأسرار (١/ ٢٦٠ - ٢٦١).