للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي الكتاب، وكذا الذي ذهبَ بهِ مُوَكِلُ السُلطان للعمادةِ فاشتدَّ/ الحرب وضعفَ فأكلَ لم يكفْر، وإنْ كانَ مُسافرًا لا يستضرُ بالصَّوْم فصومُه أفضلُ إلى أنْ قال: (وقالَ الشَّافِعِي: الفِطُر أفضلُ) (١).

[حكم الصَّوْم في السفر]

الكلامُ في هذهِ المسألةِ في فصولٍ: أحدُها: أنَّ أَدَاءَ الصَّوْم في السفرِ يجوزُ في قولِ جُمهورِ العلماءِ (٢)، وهو قولُ أكثرِ الصَّحابةِ (٣)، وعلى قولِ أصحابِ الظواهرِ لا يجوزُ (٤)، وهو مَرْوُيٌّ عنَ ابن عُمرَ، وأبي هريرةَ (٥) وهمْ يستدلونَ بقولهِ: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (٦) فصارَ هذاَ الوقُت في حقهِ كالشهرِ في حقِّ المقيمِ، فلا يجوزُ الأداءُ قبلَهُ، وقالَ -عليه الصلاة والسلام-: «ليسَ مِنَ البِّر الصِّيَامُ في السَّفَرِ» (٧)، ولنا قولُه تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} (٨)، وهذا يعمُّ المسافرَ، والمقُيمَ، ثُمَّ قولُه: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ} (٩) لبيانِ الترخصِ بالفِطْرِ فينتفي بهِ وُجوبُ الأداءِ لا جوازُهُ وفي حديثِ عائشةَ -رضي الله عنها- أنَّ حمزةَ بنَ عمَرو الأسلمي قالَ: يا رسولَ اللهِ إني أسافرُ في رمضانَ أَفَأُصومُ؟ قالَ: «صُم إنْ شِئْتَ» (١٠) وتأويلُ حديثهِ أنُه كانَ يجهدُهُ الصَّوْم حتى يخُافُ عليهِ الهلاكُ على ما رُوِيَ أنهُ -عليه الصلاة والسلام-: مرَّ برجُلٍ مَغْشيٍّ عليهِ قْد اجتمعَ الناسُ عليهِ وقد ظُلِّلَ عليهِ، فسألَ عن حالهِ فِقيلَ: إنهُ صائِمٌ، فقال: «ليسَ مِنَ البرِّ الصِّيَامُ في السفرِ» يعني: لمِن هذا حالُهُ.


(١) يُنْظَر: الْحَاوِي (٣/ ٤٤٦)، المهذب (١/ ١٧٨).
(٢) يُنْظَر: المَبْسُوط (٣/ ١٦٤)، المدونة (١/ ٢٧٢)، الأم (٢/ ١٠٢)، الإنصاف (٣/ ٢٠٤).
(٣) يُنْظَر: المَبْسُوط (٣/ ١٦٤)، تُحْفَةِ الْفُقَهَاء (١/ ٣٥٩).
(٤) يُنْظَر: المحلى (٦/ ٢٤٣)، الْمُغْنِي (٣/ ٩٠)، وقال ابن حزم في المحلى (٦/ ٢٣٤، ٢٥٨): ومن سافر في رمضان سفر طاعة أو سفر معصية، أو لا طاعة ولا معصية، ففرض عليه الفطر إذا تجاوز ميلا، أو بلغه، أو إزاءه، وقد بطل صومه حينئذٍ، لا قبل ذلك ا. هـ. قلت: وكلامهم هو في صوم رمضان، أما غيره فيجوز أن يصومه في السفر حتى ولو كان تطوعا، بل قال ابن حزم أيضا: إنه يجوز صوم التطوع في رمضان، أو قضاء رمضان فيه، لأن الله إنما نهانا عن صومه بذاته.
(٥) يُنْظَر: المحلى (٦/ ٢٥٦)، الْمُغْنِي (٣/ ٩٠).
(٦) سورة البقرة الآية (١٨٤).
(٧) رَوَاهُ أبو داود في سننه (٢٤٠٩)، كتاب الصَّوْم، باب اختيار الفطر. وابن ماجه في سننه (١٦٤٤)، كتاب الصيام، باب ما جاء في الإفطار في السفر. والنسائي في سننه (٢٢٥٥)، كتاب الصيام، باب ما يكره من الصِّيَامِ في السفر. قال الألباني: صحيح.
(٨) سورة البقرة الآية (١٨٥).
(٩) سورة البقرة الآية (١٨٤).
(١٠) أخرجه الْبُخَارِيُ في صحيحه (٣/ ٣٣)، باب الصَّوْم في السفر والإفطار، من حديث عائشة -رضي الله عنها-، وأخرجه مسلم في صحيحه (٣/ ١٤٤)، باب أجل المفطر في السفر إذا تولى العمل، من حديثها أيضا، وأحمد في مسنده (٢٥/ ٤٢٣)، من حديث حمزة بن عمرو -رضي الله عنه-، وأبو داود في سننه (٢/ ٢٩٠)، باب الصَّوْم في السفر، من حديث عائشة أيضا، والترمذي في سننه (٣/ ٩١)، باب الرخصة في السفر، من حديثها أيضاً، والنسائي في سننه (٤/ ١٨٥)، باب ذكر الاختلاف على سليمان بن يسار في حديث حمزة بن عمرو فيه، من حديث حمزة أيضا، وابن ماجه في سننه (١/ ٥٣١)، باب ما جاء في الصَّوْم في السفر، من حديث عائشة أيضا.