للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[[الإذن بعقد واحد لا يعتبر إذنا]]

والفاصل بينهما: أنه إذا أذن له بعقودٍ متكررةٍ مرة بعد أخرى يُعلم أن مراده الربح، بجعل ذلك إذنًا في التجارة، كما إذا قال اشترِ لي ثوبًا وبعه؛ لأنه أمره بعقود متكررة، فكذلك لو قال: بع ثوبي هذا واشتر بثمنه كذا يصير مأذونًا في التجارة، وإذا أذن له بعقد واحد لا يجعل ذلك إذنًا في التجارة بل يُعتبر استخدامًا، كما إذا قال اشتر لي ثوبًا للكسوة؛ لأنه أمره بعقد واحد فلا يكون هذا إذنًا له في التجارة؛ فعلى هذا يخرج جنس هذه المسائل (١).

[[الإذن بعقود متكررة يعتبر إذنا]]

وعن هذا الأصل قلنا: إذا قال لعبده: اذهب إلى فلان، وآجر نفسك منه في عمل كذا لا يصير مأذونًا له في التجارة؛ لأنه أمره بعقد واحد، ولو قال: آجر نفسك من الناس في عمل كذا يصير مأذونًا في التجارة؛ لأنه أمره بعقود متكررة، وكذلك إذا قال اُقْعُد قَصَّارًا (٢) أو صَبَّاغًا (٣) أو خَيَّاطًا يصير مأذونًا في التجارة؛ لأنه لم يُعيِّن من يعامل معه فيكون أمرًا بالمعاملة مع الناس فيكون/ أمرًا بعقود متكررة كذا في «الذخيرة» (٤).

[إذا غصب العبد وأمره مولاه ببيعه يُعتبر إذنا]

فإن قلتَ: يُشكل على هذا الأصل ما إذا غصب العبد متاعًا من رجل وأمره مولاه ببيعه؛ فإنه يكون إذنًا له في التجارة؛ وكان ينبغي على هذا الأصل ألا يكون إذنًا؛ لأنه أمره بعقد واحد، كما لو أمره ببيع ثوبه بعينه (٥) لا يكون مأذونًا؛ لهذا قلتُ: إن الأمر بعقد واحد إنما لا يُجعل إذنًا إذا أمكن أن يُجعل استخدامًا، وفي مسألة الغصب (٦) لم يُمكن جعله استخدامًا (٧) للموْلَى، وهذا ظاهر؛ لأنه ليس له ولاية الأمر بالبيع؛ لأنه ليس بملك له ولا استخدامًا لصاحب المتاع؛ لأنه لم يعمل له، فلمَّا لم يُمكن جعله استخدامًا وهو إذن بصريحه في التجارة كان إذنًا منه في التجارة لذلك إلى هذا أشار في «المبسوط» (٨) و «الذخيرة» (٩).


(١) انظر: بدائع الصنائع (٧/ ١٩١ - ١٩٢)، الاختيار (٢/ ١٠١)، تبيين الحقائق (٥/ ٢٠٥).
(٢) الْقَصَّارُ: هو من يقصَر الثَّوبَ فيأخذ من طوله ويجعله أقلَّ طولاً، ضدّ مدّه. انظر: مختار الصحاح مادة (ق ص ر) (ص: ٢٥٤)، معجم اللغة العربية المعاصرة (٣/ ١٨٢١).
(٣) صَبَّاغًا: مَنْ يصبُغُ الصُّوفَ والقماشَ والقطنَ ونحوها، مَنْ حِرفته تلوين الثِّياب. انظر: مقاييس اللغة مادة (ص ب غ) (٣/ ٣٣١)، معجم اللغة العربية المعاصرة (٢/ ١٢٦٥).
(٤) انظر: المبسوط للسرخسي (٢٥/ ١٤)، بدائع الصنائع (٧/ ١٩٢)، الاختيار (٢/ ١٠١).
(٥) سقطت في (ع).
(٦) الْغَصْبُ لغةً: أَخْذُ الشَّيْءِ ظُلْمًا. انظر: الصحاح مادة (غ ص ب) (١/ ١٩٤)، المغرب مادة (غ ص ب) (ص/ ٣٤٠)، واصطلاحًا: عرفه أبو حنيفة وأبو يوسف بأنه: إزالة يد المالك عن ماله المتقوم، على سبيل المجاهرة، والمغالبة بفعل في المال، وقال محمد: الفعل في المال ليس بشرط لكونه غصبًا، وعرفه الشافعية بأنه: أخذ مال الغير على وجه التعدي. انظر: بدائع الصنائع (٩/ ٤٤٠٣)، تبيين الحقائق (٥/ ٢٢٢)، مغني المحتاج (٢/ ٢٧٥).
(٧) في (ع) زيادة (لا).
(٨) انظر: المبسوط للسرخسي (٢٥/ ١٥).
(٩) انظر: العناية شرح الهداية (٩/ ٢٨٩)، مجمع الأنهر (٢/ ٤٤٧)، تبيين الحقائق (٥/ ٢٠٥).