للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الشروع في السعي بعد الطواف]

وذكر الإمام الأستاجي يقول في ابتداء السعي: "اللهم استعملني لسنتك، وسنة نبيك، وتوفني على ملتك، وملة رسولك، وأعذني من مضلات الفتن برحمتك يا أرحم الراحمين". وذكر في «فتاوى قاضي خان» (١): «يرفع بهذا التكبير، والتهليل صوته».

(فإذا بلغَ بَطْن الوَادِي) (٢).

ولم يبق اليوم بطن الوادي؛ لأن السيول كبسته وقد جعل هناك ميلان ليعلم أنه بطن الوادي حتى يسعى الناس بينهما.

(يَسعَى بَينَ الميلينِ الأخضرين) (٣).

هذا على طريق التغليب، فإن أحد الميلين أخضر، والآخر أحمر، كذا ذكره الإمام الإسبيجابي (٤) -رحمه الله-.

وذُكر في «المغرب» (٥)، و «الصحاح» (٦): (الميل (٧) في كلام العرب مقدار منتهى مد البصر). وقيل: للأعلام المبنية في طريق مكة أميال؛ لأنها بُنيت على مقادير مدى البصير، وأما الميلان الأخضران (٨) فيهما شيئان على شكل الميلين منحوتان من نفس المسجد الحرام لا أنهما منفصلان عنه، وهما علامتان لموضع [الهرولة (٩) (١٠) في ممر بطن الوادي بين الصفا والمروة، وقيل: أصل هذه السنة أن إبراهيم - عليه السلام - لما هاجر بها وابنه إسماعيل إلى واد غير ذي زرع، فتركها عند الكعبة، فعطشت أمه فصعدت الصفا لترى الماء فلم تر، فنزلت تمشي على هينتها (١١) تنظر إلى ولدها، فلما بلغت بطن الوادي سعت، فلما خرجت مشت، فعلت هكذا سبعًا فلما أيست (١٢) جاءت إلى ولدها فرأت ماءً قد نبع تحت رجل ولدها، فخافت الضياع، فجعلت تضع حولها أحجارًا، وفي ذلك قال -صلى الله عليه وسلم-: «لولا أم إسماعيل لكانَ زمزم ماء معينًا إلى يومِ القيامةِ» (١٣)، فصار ذلك سنة، وشعائر الحجّ ليبقى لهم ذكر إلى يوم القيامة.


(١) انظر: فتاوى قاضي خان (١/ ١٤٤).
(٢) انظر: بداية المبتدي (١/ ٤٤)
(٣) انظر: بداية المبتدي (١/ ٤٤)
(٤) هو الإمام علاء الدين أو بهاء الدين علي بن محمد بن إسماعيل السمرقندي الإسبيجابي المعروف بشيخ الإسلام، لم يكن بما وراء النهر في زمانه من يحفظ مذهب أبي حنيفة ويعرفه مثله، عُمّر في نشر العلم، وسماع الحديث، تفقه على صاحب «الهداية»، له: شرح مختصر الطحاوي، المبسوط (ت ٥٣٥ هـ).
انظر: الجواهر المضية (٢/ ٥٩٢)، الفوائد البهية (ص/ ٥٠٩)، كشف الظنون (٢/ ١٥٨١، ١٦٢٧).
(٥) انظر: المغرب في ترتيب المعرب (١/ ٤٥١).
(٦) انظر: مختار الصحاح (١/ ٣٠١).
(٧) الميل بكسر الميم مقدارُ مدّ البصر من الأرض، وهو ثُلُث الفرسخ، والمراد هنا: الميل الشرعي الهاشمي، وهو ما يعادل ألف باع، والباع قدر مدّ اليدين، وهو عند الحنفية يعادل تقريبًا (١٨٦٦، ٢٤) مترًا، وكل خمسة أميال تساوي تقريبًا ثُمَّاني كيلو مترات.
انظر: المغرب (٢/ ٢٨١)، معجم لغة الفقهاء (٤٤٠)، المكاييل والموازين الشرعية (٣٥).
(٨) الميلان الأخضران: هما علامتان في جدار المسجد الحرام للدلالة على موضع الهرولة في ممر بطن الوادي بين الصفا والمروة، وحاليًا يدل عليهما أنوار خضراء موضوعة في جدار المسعى.
انظر: المغرب (٢/ ٢٨١)، المصباح المنير (٥٨٨).
(٩) هو ضربٌ من العَدْو بين المشي والعَدْو، وقيل: هو فوق المشي ودون الخَبَب، والخبب دون العَدْو.
انظر: النهاية (٥/ ٢٦١)، المصباح المنير (ص/ ٦٣٧)، معجم لغة الفقهاء (ص/ ٤٦٥).
(١٠) أثبته من (ج).
(١١) هينتها: من هينة مفرد: هَوْن تمهُّل وتُؤدة ووقار "امش على هِينَتِكَ: على رِسْلِك"
انظر: معجم اللغة العربية المعاصر، (٣/ ٢٣٧٧).
(١٢) يئس: اليأْسُ: القنوطُ. وقد يَئِسَ من الشئ ييأس.
انظر: الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، مادة يئس، (٣/ ٩٩٢)، والمقصود بها هنا فقدان الأمل في العثور على الماء أو المغيث
(١٣) أخرجه البخاري في "صحيحه" باب: (٤/ ١٤٢) برقم: [٣٣٦٢] بلفظ: «يَرْحَمُ الله أُمَّ إِسْمَاعِيلَ، لَوْلَا أَنَّهَا عَجِلَتْ، لَكَانَ زَمْزَمُ عَيْنًا مَعِينًا».