للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والفرق هو أنّ نفقة الزوجات إنما تجب بإزاء التمكن من الاستمتاع، فكان على طريق المعادلة، والبدل يجب وإن كان من يستحقه غنيًّا، فأمّا نفقة الولد فلا تجب بإزاء التمكّن من الاستمتاع، وإنّما تجب لأجل الحاجة، فلا تجب بدون الحاجة كنفقة المحارم.

ثم قوله في الكتاب: إذَا لَمْ يَكُنْ لِلصَّغِيرِ مَالٌ، عام لأنّه نكرة في موضع النفي فيتناول جميع الأموال من جنس النفقة أو من غير جنسها أو دوراً وعقاراً أو غير ذلك.

بخلاف ما ذكرنا في نفقة الزّوجة في مال الغائب، فلذلك قال في «الذخيرة» (١): فإن كان للصّغير عقار أو ثياب واحتيج إلى ذلك للنّفقة كان للأب أن يبيع ذلك كلّه، وينفق عليه؛ لأنه غني بهذه الأشياء، ونفقة الصبي تكون في ماله إذا كان غنيًّا، ثم الوالد إذا لم يكن له مال فأبى أن يكتسب وينفق على أولاده، يجبر على ذلك، ويحبس بخلاف سائر الدّيون، فإن الوالد وإن علا لا يحبس بديون الأولاد، وفي هذا الدّين يحبس.

والفرق وهو أن الامتناع عن الإنفاق ههنا إتلاف النفس، والأب يستوجب العقوبة عند قصده إتلاف الولد، كما لو عدا على ابنه بالسّيف كان للابن أن يقتله.

بخلاف سائر الديون فإن كان الأب عاجزًا عن الكسب لما به من الزّمانة، أو كان مقعدًا يتكفف النّاس وينفق عليهم، هكذا ذكر في نفقات الخصّاف -رحمه الله-، ومن المتأخرين (٢) من قال: تكون نفقة الأولاد في هذه الصّورة في بيت المال؛ لأنّه إذا كان بهذه الصفة تكون نفقته في بيت المال، فكذا نفقة أولاده، وقال: الصّحيح الذي به قوة العمل إلا أنّه لا يحسن العمل، فنفقته على الاب؛ لأنّه إذا كان لا يحسن العمل فالنّاس لا يأمرونه العمل، فصار هو كالعاجز عن الكسب.

قال شمس الأئمة الحلواني -رحمه الله- (٣): الرجل الصحيح قد لا يقدر على الكسب لحرفة، أو لكونه من أهل البيوتات فيكون عاجزاً عن الكسب.

فإذا كان هكذا كانت نفقته على الأب، وهكذا قالوا في طالب العلم إذا كان لا يهتدي إلى الكسب، لا تسقط نفقته عن الأب بمنزلة الزمن والأنثى، هذا كلّه من «الذّخيرة» (٤).

[فصل]

وعلى الرجل أن ينفق على أبويه وأجداده وفي «المبسوط»: ويجبر الرجل الموسر على نفقة أبيه وأمّه، إذا كانا محتاجين؛ لقوله تعالى: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} (٥) نهى عن التأفيف لمعنى الأذى، ومعنى الأذى في منع النّفقة عند حاجتهما أكثر، ولهذا يلزمه نفقتهما وإن كانا قادرين على الكسب؛ لأن معنى الأذى في الكدّ والتّعب أكثر منه في التأفيف قال -عليه السلام-: «إن أطيب ما يأكل الرجل من كسبه، وإن ولده لمن كسبه فكلوا من كسب أولادكم» (٦) (٧).


(١) المحيط البرهاني في الفقه النعماني (٣/ ٥٦٦).
(٢) ينظر: المحيط البرهاني في الفقه النعماني (٣/ ٥٦٩).
(٣) ينظر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (٣/ ٦٤).
(٤) المحيط البرهاني في الفقه النعماني (٣/ ٥٧٣).
(٥) سورة الإسراء: ٢٣.
(٦) أخرجه أبو داود في سننه، كتاب البيوع، باب في الرجل يأكل من مال ولده (٣٥٢٨)، وأخرجه الترمذي في سننه، أبواب الأحكام، باب ما جاء أن الوالد يأخذ من مال ولده (١٣٥٨)، وقال: "هذا حديث حسن" (٣/ ٣٢)، والنسائي في الصغرى، كتاب البيوع، باب الحث على الكسب (٤٤٤٩)، وابن ماجه في سننه، كتاب التجارات، باب الحث على الكسب (٢١٣٧)، والحاكم في المستدرك (٢٢٩٤)، وقال: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه" (٢/ ٥٢).
(٧) المبسوط للسرخسي (٥/ ٢٢٢).