للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقد روي عن أبي حنيفة أنّ النفقة على الأب والأم أثلاثاً بحسب ميراثهما من الولد، فأمّا ظاهر الرواية فكما لا يشارك الأب في مؤنة الرضاع أحد، فكذلك في النّفقة، وأمّا إذا مات الأب والولد الصغير أم وجد أب الأب فنفقته عليهما، على قدر ميراثهما أثلاثاً، بخلاف الأب في ظاهر الرواية كذا في «المبسوط» (١).

ولأنّ اللام في قوله: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ} (٢) للاختصاص، فصار الولد كالعبد ونفقة العبد تجب على المولى، لا يشاركه غير المولى فكذا هنا.

وذكر في النفقات البرهانية: إنّما تستحق النّفقة على الوالد لا غير لكون الولد منه، وغيره لا يشاركه في هذا المعنى، فلا يشاركه في النفقة عليه غيره: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ} (٣)، فوجه التمسّك بهذه الآية في وجوب نفقة الأولاد على الأب، هو أنّ الله تعالى أوجب نفقة المرضعات على المولود له، وهو الأب في هذه الآية، فوجوب نفقتهن عليه بسبب إرضاع الولد، لما أنّ الحكم المرتّب على اللفظ المشتق دليل على أن مأخذ الاشتقاق علة لذلك الحكم، كما في الزّاني والسّارق، فلمّا وجبت نفقتهن عليه بسبب إرضاع الولد، كان إيجاب نفقة الولد عليه أولى، ولكن الوجه الأظهر في وجوب نفقة الولد على الوالد ما تمسّك به في «المبسوط»، فقال: ويجبر الرجل على نفقة أولاده الصّغار، لقوله تعالى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} (٤) والنفقة بعد الفطام بمنزلة [مؤنة] (٥) الرضاع قبل ذلك؛ إذ هما لا يتفاوتان من حيث النفقة، فقد أوجب الله تعالى مؤنة الرضاع في هذه الآية على الأب، فمؤنة الرضاع قبل الفطام مثل مؤنة النّفقة بعد الفطام، ولأنّ الولد جزء من الأب فيكون نفقته عليه كنفقته على نفسه (٦).

ونفقة الصغير واجبة على أبيه، وإن كان خالفه في دينه بأن أسلم الابن بنفسه والأب كافراً، وعلى العكس لما أنّ إسلام الصبي العاقل وارتداده صحيح فلإطلاق ما تلونا، وهو قوله تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ} (٧).

أَمَّا إذَا كَانَ فَالْأَصْلُ أَنَّ نَفَقَةَ الْإِنْسَانِ فِي مَالِ نَفْسِهِ، فرق بين هذا وبين نفقة الزّوجات، فإن المرأة وإن كانت موسرة فنفقتها على الزّوج، بخلاف الصبي إذا كان له مال فنفقته في ماله لا على الأب.


(١) المبسوط للسرخسي (٥/ ٢٠٩).
(٢) سورة البقرة الآية (٢٣٣).
(٣) سورة البقرة الآية (٢٣٣).
(٤) سورة الطلاق: ٦.
(٥) سقطت من (أ).
(٦) المبسوط للسرخسي (٥/ ٢٢٢).
(٧) سورة البقرة: ٢٣٣.