للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وأمّا إذا فرض الكسوة أو النفقة للأقارب، فضاعت من أيديهم قبل مضي الوقت، فإنّ القاضي يفرض لهم مرّة أخرى.

والفرق ما ذكرنا هو أن الأقارب إنّما تستحق النفقة باعتبار الحاجة، ولهذا لا تستحق مع الغنى، ومتى ضاعت الكسوة والنّفقة قبل الوقت فقد تجددت الحاجة.

وأمّا المرأة فلا تستحق باعتبار الحاجة، ولهذا تستحق المرأة النّفقة والكسوة مع الغنى، وإنّما تستحق على وجه الكفاية عوضاً عن احتباسها في بيت الزّوج، وبالضياع قبل مضي المدّة لا يتبين أنّها لم تكن كافية في تلك المدّة، ولم يبين أنه لم يكن عوضاً [والله أعلم] (١).

[فصل]

ظاهر مذهب أصحابنا -رحمه الله- أنّ الإنسان لا يجبر على الإنفاق على ملكه سوى الرقيق، الحيوانات وغير الحيوانات في ذلك على السّواء، غير أن في الحيوانات فَيُفْتَى فيما بينه وبين الله تعالى بالإنفاق، وفي غير الحيوانات كالدّور والعقار لا، فَيُفْتَى به إلا أنّه إذا كان فيه تضييع المال يكون مكروهًا (٢).

بخلاف نفقة الزّوجة، والفرق بين نفقة الرقيق وبين نفقة الزّوجة من وجهين:

أحدهما: أنّ الرقيق وإن كان صغيراً تجب النفقة على المولى، والزّوجة إن كانت صغيرة، ولا تُشتهى لا تجب النفقة على الزّوج.

والثاني: أنّ المولى إذا أبى الإنفاق على الرقيق يجبر على البيع، فالزوج إذا عجز عن الإنفاق على المرأة لا يفرق بينهما.

أمّا الفرق الأوّل فقد ذكرناه.

وأمّا الفرق الثاني فهو أنّ المولى إذا أجبر على البيع دفعًا للظلم عن المملوك يزول ملكه إلى خلف، وهو الثمن ولو لم يجبر بفوت حق المملوك في النّفقة لا إلى خلف؛ لأنّ نفقة المملوك لا تصير دينًا على المولى بحال من الأحوال، فكان الجبر على البيع أقلّ ضررًا، أمّا في باب النكاح لو أُمر الزّوج بالتفريق دفعًا للظلم عن المرأة بفوت ملك الزّوج بغير خلف، ولو لم يجبر بفوت حق المرأة في الحال إلى خلف؛ [لأنّ] (٣) نفقة الزّوجة تصير دينًا بقضاء القاضي، وكان ما يلحق الزّوج من الضرر أكثر، فكان أولى بالدّفع، وعن أبي يوسف -رحمه الله- أنه يجبر، وهو قول الشافعي -رحمه الله-، وقاساه على الرقيق، وإنّا نفرّق بينهما وهو أنّ إجبار القاضي المولى على الإنفاق على مملوكه نوع قضاء، والقضاء لابدّ له [من مقضي له] (٤)، وهو من أهل الاستحقاق وهذا يوجد في الرقيق؛ لأنّ [٣٩٤/ ب] الرقيق من أهل أن يستحقّ حقوقاً على المولى وعلى غيره في الجملة.


(١) سقطت من (أ).
(٢) ينظر: العناية شرح الهداية (٤/ ٤٢٧).
(٣) في (ب): فإن.
(٤) سقطت من (ب).