للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما قوله: فلو رجع إنما يرجع بضمان محبسه، فكان أكثر من الأول) قلنا مثل هذا التفاوت لا يمنع الرجوع كالأب إذا غصب مدبّر ابنه فغصبه منه آخر، ثُمَّ أن الابن ضمن أباه رجع الأب على الغاصب [منه] (١)، وإن كان هو لا يحبس فيما لزمه لابنه، ويكون [له] (٢) أن يحبس الغاصب منه فيما يطالبه به، ولا يقع الفرق بين ضمان يُفتي به وبين ضمان يُقضى به، فإن زكاة السائمة تدخل تحت القضاء، وزكاة سائر الأموال لا تدخل فلا فرق (٣) بينهما، ولكن حق الله إذا كان له طالب معين يكون له المطالبة، وإذا لم يكن له مطالب معين لا تبين المطالبة، وأما الجواب عن مسألة خمر الذمي فإن الشرع حرم الخمر، وأهانها لنجاستها، وفسادها فجرى ذلك مجرى هوان من المال كشربة ماء، وحبة حنطة، ولكن هذا في حق من يعتقد إهانتها، وهو المسلم، فكذلك لم يرجع المسلم على المسلم المستهلك لاتحاد اعتقادهما على الإهانة وفي التضمين إعزاز لها، وأما الصيد فثبت له زيادة احترام في حق المحرم بإحرامه كحرمة الآدمي، وهذا يدل على تأكد الضمان لا على سقوطه، وأما الجواب عن مسألة الكفارة، وأن الكفارة هناك إنما وجبت لهتك حرمة اسم الله تعالى، وهي جناية وقع فيها فيجبرها بالكفارة، وأما هاهنا بالجزاء بدل الصيد، والصيد متقوم في حق المحرم لما أنه حرم عليه بالإحرام والحرم، فكان مضموناً بالبدل كالحر، وإن لم يكن مملوكًا له، ولما كان الجزاء بدله قام بأدائه مقام المالك فيرجع عليه بحكم الملك تقريرًا إلى هذا أشار في «الأسرار» (٤)، و «المبسوط» (٥).

[أشجار الحرم ونباته]

(فإن قطع حشيش الحرم) (٦) إلى آخره.

واعلم بأن شجر الحرم أنواع أربعة ثلاث منها يحل قطعها، والانتفاع بها من غير جزاء، وواحدة منها لا تحل قطعها، ولا الانتفاع بها، وإذا قطعها رجل فعليه الجزاء.

بيان الثلاث: كل شجر أنبته الناس، وهو من جنس ما ينبته الناس وكل شجر أنبته الناس، وهو ليس من جنس ما ينبته الناس، وكل شجر منبت بنفسه، وهو من جنس ما ينبته الناس وبيان الواحدة هي كل شجر ينبت بنفسه، وهو ليس من جنس ما ينبته الناس، ويستوي في هذه الواحدة أن تكون مملوكة لإنسان بأن نبتت في ملكه أو لم يكن حتى قالوا: في رجل ينبت في ملكه أم غيلان فقطعها إنسان فعليه قيمتها لمالكها، وعليه قيمة أخرى لحق الشرع بمنزلة ما لو قتل صيداً مملوكاً في الحرم، وبعدما أدى جزاء الشجرة يكره للقاطع الانتفاع بها، وفي «المنتقى» عن أبي يوسف/ -رحمه الله-: "لا بأس لغيره من محرم أو حلال ينتفع به" كذا في «المحيط» (٧).


(١) أثبته من (ب).
(٢) أثبته من (ب).
(٣) في (ب): فرقان.
(٤) انظر: الأسرار (ص ٣٣٥).
(٥) انظر: المبسوط (٤/ ١٠٤).
(٦) انظر: بداية المبتدي (١/ ٥٣)
(٧) انظر: المبسوط (٢/ ٤٥٨).