للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قوله - رحمه الله - (١): «أو من حيث أنَّ فيها زيادة احتمال الكذب» (٢)، لأنَّ الاحتمال في موضعين على ما ذكرنا.

«فلا تقبل فيما يندرئ بالشبهات، كالحدود والقصاص» (٣)، وهذا عندنا.

[الشهادة على الشهادة في الحدود والقصاص]

وأمَّا الشافعي [رحمة الله عليه] (٤) فيجعل الشَّهادة على الشَّهادة حجَّةً في حقوق العباد أجمع، العقوبات وغير العقوبات في ذلك سواءٌ (٥).

لأنَّه حجة أصليَّة فيما هو المشهود به، وهو شهادة الأصول، فإثبات ذلك شهادتهم في مجلس القضاء كثبوته بأدائهم لو حضروا بأنفسهم، بخلاف شهادة النِّساء مع الرجال، فشهادة النِّساء حجَّةٌ ضروريَّة؛ لأنَّ النِّساء لا يحضرن محافل الرجال عادةً، فلا يجعل حجَّة إلا فيما يكثر فيه المعاملة، لأنَّ الضَّرورة تتحقق في ذلك.

وفي الحدود التي هي لله تعالى له قولان (٦).

وإنا نقول: «الشَّهادة على الشَّهادة جائزة ما خلا القصاص والحدود، وذلك مروي عن إبراهيم - رحمه الله -، وهذا لأنَّ الشَّهادة على الشَّهادة فيها ضرب شبهة، ينعدم ذلك بجنس الشُّهود، من حيث أنَّ الخبر إذا تداولته [الألسنة] (٧) يتمكن فيها زيادة ونقصان، فهو بمنزلة شهادة الرجال مع النِّساء تكون حجة فيما ثبت مع الشبهات دون ما يَندَرِئُ بالشُّبهات؛ بل أولى، فإن الشَّهادة على الشَّهادة [ … ] (٨) حلف حقيقة، حتى لا يصار إليها إلا عند العجز عن شهادة الأصول، وشهادة النِّساء مع الرجال في صورة الخلف.

قال الله تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} (٩)، وليس بِحَلِفٍ حقيقة حتى يجوز العمل بشهادة رجل و امرأتين مع القُدرة على استشهاد رجلين، عرفنا أنَّ ذلك أقوى من الشَّهادة على الشَّهادة.


(١) سقط من: «ج».
(٢) الهداية (٣/ ١٢٩).
(٣) الهداية (٣/ ١٢٩).
(٤) سقط من: «س».
(٥) قال في مختصر المزني (١/ ٤٢٠): «وتجوز الشهادة على الشهادة بكتاب القاضي في كل حق للآدميين مالاً، أو حداً، أو قصاصاً، وفي كل حد لله قولان: أحدهما: أنه تجوز، والآخر: لا تجوز من قبل درء الحدود بالشبهات».
وينظر: الإقناع للماوردي (١/ ٢٠٣)، اللباب في الفقه الشافعي (١/ ٤١١)، الحاوي الكبير (١٧/ ٤٤٢)، المهذب (٣/ ٤٥٩).
(٦) أما في حدّ القذف فجائزة، قولاً واحداً، وفي الحدود الأخرى كالزِّنا وشرب المسكر لا تجوز على الأصح. ينظر: الحاوي الكبير (١٧/ ٤٤٢)، حلية العلماء (٨/ ٢٩٤)، مغني المحتاج (٤/ ٤٥٣).
(٧) في «ج»: [الأيدي الألسنة].
(٨) في «ج» زيادة: [هذا ينافي قوله: البدليَّة بحسب الشُّهود لا بحسب شهادة الأصول]، وهي ليست في المبسوط.
(٩) سورة البقرة: آية ٢٨٢.