للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(اعتبارًا لحالة الاجتماع بحالة الانفراد) يعني: إذا أَبَق العبد بِدون البَعير لا يملكونه عند أبي حنيفة (١).

(وإذا نَدَّ بعير إليهم) بدون العبد يملكونه، فكذا إذا أَبَق العبد مَع البَعير أو مع شيء آخَر مِن المال، فيأخُذ المولى العبدَ بغَير شيء، ويأخذ المال بالثَّمن لما أنَّ الملك ثَبَت للكفار في المال دون العبد.

فإنْ قيل: على قول أَبي حنيفة ينبغي أنْ يأخذ المالك المتاع أيضًا بِغير شيء؛ لأنَّه لما ظَهر يد العبد على نفسه ظهرت على المال أيضًا، لانقطاع يد المولى َعن المال؛ لأنَّه في دار الحرب، ويد العبد أَسبق من يدِ الكفّار عليه فلا يصير ملكًا لهم.

[[شراء العبد المسلم وإدخاله دار الحرب]]

قلنا: ظَهَرت يد العَبد على نفسِه مع المنافي وهو الرقِّ، فكانت ظاهرة من وجه دون وجه، فجعلناها ظاهرة في حقِّ نفسه غير ظاهرة في حقّ المال.

(وإذا دخل الحربي دارنا بأمان فاشترى عبدًا مسلمًا وأدخله دار الحرب عتق عند أبي حنيفة، وقالا: لا يعتق).

وعلى هذا الاختلاف إذا كان العبد ذمّيًا؛ لأنَّه يجبر على بيعه ولا يمكَّن من الذَّهاب به إلى دار الحرب؛ كذا في (٢) الإيضاح.

وأصل المسألة ما ذكره في المبسوط: "وإذا اشترى الحربي المستأمن في دار الإسلام عبدًا مسلمًا أو ذمّيًا أو أسلم بعض عَبيده الذين أدخلهم لم يُترك ليردَّه إلى دار الحربلأنَّه مسلم، ولا يُترك في ملك الكافر ليستذلَّه، ولكن يُجبر على بيعه من المسلمين بمنزلة الذِّمي يسلم عبده.

فإنْ قيل: الذِّمي مُلتزِم أحكامَ الإسلام فيما يرجع إلى المعاملات، والمستأمَن غير ملتزِم لذلك. قلنا: المستأمن ملتزِم ترك الاستخفاف بالمسلمين، فإنّا ما أعطينا الأمان ليستذل المسلم؛ إذ لا يجوز إعطاء الأمان على هذا، فلهذا يجبُر على بيعه" (٣).

(لأنَّ الإزالةَ كانتْ مستحقةً بطريق معيَّن، وهو البيع) يعني: لا بالعِتق؛ لأنَّ مال المستأمن محترَم (٤)؛ كذا ذكره صدر الإسلام.

(ولأبي حنيفة -رحمه الله- أنَّ تخليص المسلم عن ذُلِّ الكافر واجب).

ولكنَّ ذلك الكافرَ ما دام مستأمنًا في دار الإسلام يُزال بالعِوَض، وهو الإزالة بالبيع، ولا يزال بالعتق؛ لأنَّ مال المستأمن محترَم ما دام في الإسلام، فإذا أدخله دارَ الحرب انتهت الحرمَة بانتهاء الأمان، فاستحقَّ الإزالة بالعتق؛ لأنَّه لما انتهى أمانه بالعود إلى دار الحرب سقطتْ عصمة مالِه، فتعيَّن العِتق مخلِّصًا للعبد؛ أي: لو كان الإمام قادرًا على إزالة العبد هناك/ عن استيلائه، كان الواجب على الإمام، أنْ يجبره على الإعتاق لا على البيع لانعدام عصمة مالِه، فلَم يستحقّ الحربي العِوَض مقابلةَ إزالة مُلكه لسقوط حرمة ملكه، بخلاف ما إذا كان في دار الإسلام. ثُمَّ لما قَصُرت ولاية القاضي عن إزالة ملكه بالإعتاق، وهي العلَّة في زوال ملكه، فقام شَرط زوال عصمة مال المستأمن، الذي هو دخول دار الحرب مقام علَّة الزَّوال، وهي إعتاق الإمام عليه لما أنَّه قد يقام الشرط (مقام العلة) عند عَدَم إمكان إضافة الحكم إلى العلَّة؛ كما في حفر البئر على قارعة الطريق. وذكر الإمام الإسبيجابي (٥): وهذا بخلاف أمِّ ولد النَّصراني إذا أسلمت؛ حيث يقتضي (٦) بالسِّعاية عليها، وتُعتق، وههنا يعتق مجانًا؛ لأنَّ ملك الذِّمي محترم، وملك الحربي غير محترم، ولا قيمة له (٧). ولا يقال: الإحراز بدار الحرب سبب لإثبات الملك فيما لم يكن مالكًا له. ألا ترى أنَّهم إذا أسروا عبدًا مسلمًا في دارنا ملكوه إذا أحرزوه بدارهم. فيستحيل أنْ يزول ملكه بالإحرازلأنَّ الإحراز لما صار سببًا لإثبات الملك ابتداءً، فأولى أنْ يبقي الملك الثابت كما كان وإلا يَلْزم أنْ يكونَ ما هو المثبِت للملك مزيلًا له، وهو مدفوع بمدةٍ.


(١) ينظر السير الصغير ت خدوري (ص: ٢٥٠).
(٢) ينظر السير الصغير ت خدوري (ص: ١٦٩).
(٣) المبسوط للسرخسي (١٠/ ٨٩).
(٤) ينظر العناية شرح الهداية (٦/ ١٤).
(٥) هو أحمد بن منصور، أبو نصر الإسْبيجابي، القاضيأحد شراح "مختصر الطحاوي".
كان من المُتبحرين في الفقه، ودخل سمرقند، وجلس للفتوى، وصار المرجع إليه في الوقائع، وانتظمت له الأمور الدينية، وظهرت له الآثار الجميلة. قال التميمي: وأما تاريخ وفاته فلم أقف عليه، لكن رأيت بخط بعضهم أنه بعد الثمانين وأربعمائة. والله تعالى أعلم.
ينظر: الطبقات السنية في تراجم الحنفية (١/ ١٥٤)، والجواهر المضية (١/ ١٢٧).
(٦) في (ب) "يقضى".
(٧) ينظر بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (٤/ ١٣٢).