للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قلت: هذا التعليل لو استقام فيما بين أطراف الحر والعبد فلا يستقيم فيما بين أطراف العبيد، فأما (١) لو فرضنا المسألة فيما إذا استوت قيمة العبدين بإتفاق المقومين، كانت قيمة أطرافهما أيضاً تكون مستوية، فحينئذ كيف لا يجري القصاص بين طرفي العبدين مع استواء قيمتهما.

قلت: لا وجه لذلك لأنَّ طريق معرفة استوائهما إنما كان بطريق الحرز والظَّن والمماثلة المشروطة شرعًا لا تثبت بطريق الحرز كالمماثلة و (٢) الأموال الربوية عند المقابلة بجنسها ولا يقال: إذا كانت قيمة كل واحد من العبدين أكثر من عشرة آلاف فههنا المساواة بينهما في البدل ثابت شرعًا [فإنَّ قيمة العبد إذا كانت أكثر من عشرة آلاف درهم أو كانت عشرة آلاف درهم فإنَّه يجب عشرة آلاف درهم إلا عشرة دراهم شرعًا على ما يجيء في موضعه إن شاء الله تعالى] (٣) ومع ذلك لا يجري القصاص بينهما في الأطراف.

لأنَّا نقول: أنَّ التقدير في بدل نفس العبد فأما في (٤) بدل طرفه لا يدخله التَّقدير شرعًا ولكن تجب القيمة بالغة ما بلغت فيتحقق التَّفاوت بينهما فيه وبهذا تبين أن أطراف العبد يُسلك بها مَسلك الأموال ولا مدخل للقصاص في الأموال (٥).

[[إذا كانت يد القاطع معيبة]]

(فَالمَقْطُوعُ بِالخِيَارِ: إِنْ شَاءَ قَطَعَ اليَدَ المَعِيْبَةَ، وَلا شَيْءَ لَهُ غَيْرُهَا، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الأَرْشَ كَامِلاً (٦) وهذا عندنا، وله الأرش عند الشافعي، وكذلك لو كان يد القاطع صحيحة فسقطت لآكلة (و (٧) قُطِعَتْ ظًلْماً فَلا شَيْءَ (٨) لمن (لَهُ (٩) القصاص (عِنْدَنَا (١٠) وعند الشافعي له الأرش (١١).


(١) وفي (ب) (فإنا).
(٢) وفي (ب) (في).
(٣) سقط في (ب).
(٤) وفي (ب) (فا باقي).
(٥) يُنْظَر: العناية شرح الهداية (١٥/ ١٧٠).
(٦) بداية المبتدي (٢٤١)، وهو لفظ القدوري. يُنْظَر: مختصر القدوري (٢٨٤).
(٧) وفي (ب) (أو)، وهي الصواب لموافقتها سياق الكلام، وهكذا جاءت في البداية.
(٨) بداية المبتدي (٢٤١).
(٩) بداية المبتدي (٢٤١).
(١٠) الهداية شرح البداية (٤/ ١٦٦).
(١١) اتفق الفقهاء على أن للمجني عليه أخذ الدية فقط، واختلفوا في القصاص والأرش.
فذهب الحنفية إلى أن المقطوع بالخيار، إن شاء قطع اليد المعيبة، ولا شيء له غيرها، وإن شاء أخذ الأرش كاملاً، وله أخذ الدية. يُنْظَر: مختصر القدوري (٢٨٤)، بداية المبتدي (٢٤١).
وعند المالكية: ليس له إلا الدية، قال في المدونة (١٦/ ٤٣١): قلت: أرأيت إن قطع رجل يمين رجل - والقاطع يمينه شلاء - أيكون للمقطوعة يمينه أن يقتص أم لا؟ قال: لا، ليس له إلا العقل. وينظر: البيان والتحصيل (١٦/ ١٦٠).
وذهب الشافعية، والحنابلة: إلى أنه ليس للمقطوع إلا القصاص أو الدية، وما ذكر المصنف عن الشافعي فليس على إطلاقه، فله تفصيل في المسألة. قال الشافعي رحمه الله في الأم (٦/ ٥٧، ٥٨): وإذا قطع الأشل يد الصحيح فسأل الصحيح القود وأرش فضل ما بين اليدين، قيل: إن شئت أقتص لك، وإذا اخترت القصاص فلا أرش، وإن شئت فلك الأرش، ولا قصاص. وإنما يكون له أرش وقصاص إذا كان القطع على أطراف متعددة فقطع بعضها وبقي بعض، كأن يقطع ثلاثة أصابع فوجد له أصبعين ولا يجد له ثالثة، فنقطع أصبعين ونجعل في الثالثة الأرش. وقال في المهذب (٢/ ١٨١): فإن طلب مع القصاص الأرش لنقص الشلل لم يكن له؛ لأن الشلاء كالصحيحة في الخلقة، وإنما تنقص عنها في الصفة، فلم يؤخذ الأرش للنقص مع القصاص. وينظر: الحاوي الكبير (١٢/ ١٨).
وقال الخرقي في مختصره (١١٧): وإذا كان القاطع أشل، والمقطوعة سالمة، فشاء المظلوم أخذها، فتلك له، ولا شيء له غيرها، وإن شاء عفا، وأخذ دية يده. وينظر: المغني (٨/ ٢٧٣)، الشرح الكبير؛ لابن قدامة (٩/ ٤٥٣)، المبدع (٨/ ٣١٦).