للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مِن الذِّمي أن يكون ذميًا بأنْ/ أسلمت امرأته.

(إلا أن يقيم البَيِّنة أنّه عبده) فحينئذ يُقضى له بأنّ اللّقيط عبده لأنَّه أثبت دعواه بالحجّة، وثبوت حريته كان باعتبار الظّاهر، والظاهر لا يعارِض البينة.

فإن قيل: كيف تُقبل (١) هذه البيّنة ولا خصْم عن اللقيط لأنّ الملتقِط ليس بوليٍّ فلا يكون خصْمًا عنه فيما يضرُّه والبيِّنة إنّما تقام على خصْمٍ منكِر. قلنا: الملتقِط خصم له باعتبار يده لأنَّه يمنَعه عنه ويزعُم أنّه أحقُّ بحفظه فلا يَتوصل المدعي إلى استحقاق يده عليه إلا بإقامة البيِّنة على رقِّه، فلهذا كان خصمًا عنه.

[[الأولى في دعوى اللقيط]]

وإنْ أقام الذِّمي البينة مِن أهل الذِّمة أنه ابنه لم تَجُز شهادتهم على المسلِمين، ومراده أنّه إذا ادَّعى الذِّمِّي ابتداءً أنَّه ابنه، وأَقام بينةً مِن أهل الذّمَّة فإنَّ النَّسب يثبت منه بالدّعوة، ولكنّه يُحكم له بالإسلام، فلا يبطل ذلك بهذه البيِّنة لأنّ هذه الشَّهادة في حُكم الدِّين، إنَّما تقوم على المسلم، وشهادة أهل الذِّمة بالكفر على المسلم لا تُقبَل، وإنْ كان شهوده مسلمِين قُضِي له به لأنَّه أثبت نسَبه فيه (٢)، بما هو حجَّة على المسلم، فيصير تَبَعًا له في الدِّين (٣)، كذا في المبسوط.

(والحرُّ في دعواه اللقيطَ أولى مِن العبد والمسلم أولى من الذمِّي) هذا إذا لم تَقع المنازَعة بين الملتقِط والخارج، فإنْ كانت هناك فلا يترجّح بالإسلام، بل باليد فإنَّ الملتقِط إذا كان ذمّيًا فهو أولى من المسلم الخارج، وقد ذكرناه. وكذا إذا كانتْ بينة الذمِّي أكثر إثباتًا فهو أولى من المسلم على ما نذكر.

وكذا إذا ادَّعى النّصراني أنّه ابنه، وادَّعى المسلم أنّه عبدُه، فهو ابن النّصراني، فيرجّح دعوى النَّصراني لأنّ فيه إثبات الحرّية، ولا يُرجّح دعوى المسلم باعتبار الإسلام لأنّ تحصيل الإسلام في يده، ولا كذلك الحرّية (٤)؛ كذا في فتاوى قاضي خان.

ففي هذه الصُّور الثَّلاث لم يُرجّح دعوى المسلم بالإسلام، فعُلِم بهذا أنّ المذكور في الكتاب غير مجري على عمُومه، فبعد هذا نقول: إنَّ إطلاق إثبات أوْلَوية دعوى الحرِّ على العبد، وإثبات أَوْلَوية دعوى المسلم على الكافر في الدّعوى المجرَّدة عن إقامة البينة، وفي الدّعوى (٥) المقرونة بالبيِّنة سواءٌ؛ حتّى أنّ المسلم والذمّي لو ادّعيا اللّقيط فهو ابن المسلم، وكذلك عند إقامة البيّنة، ولو شهِد للمسلِم ذمّيانِ وللذمِّي مسلمانِ قُضِيتْ للمسلم لأنّ بينة كلِّ واحدٍ منهما حجَّة في حقِّ الآخَر فاستويا، فكان المسلم أولى (٦)؛ كذا في الإيضاح.


(١) في (ب) "يقبل".
(٢) في (ب) "منه".
(٣) ينظر المبسوط للسرخسي (١٠/ ٢١٦).
(٤) ينظر فتاوى قاضي خان (٣/ ٢٤٢).
(٥) في (ب) "دعوى".
(٦) ينظر العناية شرح الهداية (٦/ ١١٥).