للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(لما قُلْنا) أَي: مِن الضّرورة.

(وكذلك إن اتّخذ وسْط داره مسجدًا) بالسُّكون، هكذا كان مقيدًا بقيد شَيخي، ولأنّ هذا اسم مبهم لداخل صحن الدّار لا لشيء معيّن بين طَرفي الصّحن فكان ساكنًا.

(ولأنَّه أبقى الطّريق لنفسه فلَم يخلص لله تعالى) حتّى لو عزل بابه إلى الطّريق الأعظم يصير/ مسجدًا (١)؛ كذا ذكره الإمام قاضي خان.

[[خراب ما حول المسجد]]

(ولو خرب ما حول المسجد واستغني عنه) على بناء المفعول (يبقى مسجدًا عند أبي يوسف) إلى أنْ قال: (وعند محمّد يعود إلى ملك الباني (٢).

وفي الحقيقة هذه المسألة مبنية على ما بيَّنّا، فإنَّ أبا يوسف لا يشترِط في الابتداء إقامة الصّلاة فيه ليصير مسجدًا، فلذلك (٣) في الانتهاء، وإنْ ترك النّاس الصّلاة فيه لا يخرُج مِن أنْ يكون مسجدًا، ومحمّد -رحمه الله- يشترط في الابتداء إقامة الصّلاة فيه بالجماعة ليصير مسجدًا، فكذلك في الانتهاء إذا ترَك النّاس الصّلاة فيه بالجماعة يخرج مِن أنْ يكون مسجدًا. وحُكي أنَّ محمدًا مرَّ بمزبلة فقال: هذا مسجد أبي يوسف؛ يريد به أنه لما لم يقل: يعود (٤) إلى ملك الباني يصير مزبلة عند تطاوُل المدّة؛ ومرَّ أبو يوسف باصطبل فقال هذا مسجد محمّد، يعني أنه لما قال: يعود ملكًا فربما يجعله المالك اصطبلًا بعد أن كان مسجدًا، فكلُّ واحدٍ منهما استبعد مذهب صاحبه بما أشار إليه.

فمحمد (٥) يقول: إنّه جعل هذا الجزء مِن ملكه مصروفًا إلى قُربة بعينها، فإذا انقطع ذلك عاد إلى ملكه، كالمحصَر إذا بعث بالهدي ثُمَّ زال الإحصارفأدرك الحجّ كان له أنْ يصنع بهديه ما شاء، وكذلك لو كفَّن ميتًا ثم افترسه السَّبع عاد الكفن إلى ملك صاحبه، وكذا إذا علَّق قنديلًا أو بسط حصيرًا في المسجد ثم خرب المسجد. وأبو يوسف يقول: بلى أزال ملكه بجهة ولكن لم تبطُل (٦) تلك الجهةلأنَّه ما جعله مسجدًا ليصلِّي فيه أهل المحلّة لا غير، وإنّما جعله مسجدًا ليصلِّي فيه العامةلأن للعامّة حق إقامة الصلاة في المساجد. واستدلّ أبو يوسف بالكعبةفإنّ زمان الفترة قد كان حول الكعبة عبدة الأصنام، ثُمَّ لم يخرج موضع الكعبة به مِن أنْ يكون موضِع الطّاعة والقُربة خالصًا لله تعالى، فكذلك في سائر المساجد.


(١) ينظر الفتاوى الهندية (٢/ ٤٥٥).
(٢) وتمام كلامه: "يبقى مسجدا عند أبي يوسف لأنه إسقاط منه فلا يعود إلى ملكه، وعند محمد يعود إلى ملك الباني". الهداية في شرح بداية المبتدي (٣/ ٢١).
(٣) في (ب) "فكذلك".
(٤) في (ب) "بعوده".
(٥) في (ب) "ومحمد".
(٦) في (ب) "يبطل".