للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(ثُمَّ إنْ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بِطَلَاقٍ بَائِنٍ أَوْ ثَلَاثٍ لَا بُدَّ مِنْ سُتْرَةٍ بَيْنَهُمَا)، يعني إذا لم يكن للزّوج إلا بيت واحد وكذا هذا في الوفاة إذا كان من ورثته من ليس بمحرم لها، كذا في «المبسوط» (١).

(ثُمَّ لَا بَأْسَ) أي بالمساكنة بعد اتحاد السترة والأولى أن يخرج هو ويتركها لأنّ مكثها في منزل الزّوج واجب ومكثه فيه ليس بواجب فيكون انتقال أولى وإذا انتقلت المرأة كان تعيين المواضع ينتقل إليه إلى الزوج.

وفي الوفاة تعيينه إليها لأنّها مستبدة في أمر السكنى فيكون التعيين إليها.

(وإِنْ كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مِصْرِهَا أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ رَجَعَتْ إلَى مِصْرِهَا) أي سواءً كان مقصدها مدّة سفر أو دونها.

أمّا إذا كان إلى مقصدها مدة سفر فظاهر؛ لأن المضي إلى مقصدها يكون سفراً والرجوع لا وأمّا إذا كان دونها فترجع -أيضاً-؛ لأنّها كما رجعت تصير مقيمة وإذا مضت تكون مسافرة ما لم تصل إلى المقصد، فإذا قدرت على الِامْتِنَاعِ من استدامة السفر في العدّة تعيّن عليها ذلك.

وإن كان بينها وبين مقصدها دون مسيرة سفر، وبينها وبين منزلها مسيرة سفر مضت إلى مقصدها ولم ترجع؛ لأنّها إن مضت لا تكون منشئة سفراً ولا سائرة في العدّة مدّة سفر، وإن رجعت كانت منشئة سفراً، فلهذا مضت إلى مقصدها، وإن كان من كل واحدة من الجانبين مسيرة سفر فإن كان في الطلاق أو موت الزوج في موضع لا يقدر على المقام فيه كالمفازة (٢) توجّهت إلى أي الجانبين جهة شاءت سواء كانت معها محرم أو غير محرم، وينبغي لها أن تختار أقرب الجانبين وهي في هذه المسألة كالتي أسلمت في دار الحرب لها أن تهاجر بغير محرم؛ لأنّها خائفة على نفسها ودينها فهذه في المفازة كذلك.

وله أنّ العدّة أمنع من الخروج من عدم المحرم بالدّليل الذي ذكرتم وفقد المحرم ههنا يمنعها من الخروج بالاتفاق، فلأن يمنعها العدّة من الخروج فإنها ليست في موضع مخوف أولى.

بخلاف ما إذا كانت في المفازة وإن فقد المحرم هناك لا يمنعها من الخروج لأنها ليست في موضع القرار هذا كلّه من «المبسوط» (٣) والله أعلم.

[باب ثبوت النسب]

لما ذكر أنواع من المعتدات من ذوات الحيض والأشهر والأحمال، ذكر في هذا الباب ما يلزم من اعتداد ذوات الأحمال، وهو ثبوت النّسب فولدت ولد لستة أشهر أي من غير زيادة ولا نقصان؛ لأنّه إذا زاد منها أو نقص لا يثبت النّسب من يوم تزوّجها، والمراد من اليوم الحين والوقت، أي: من حين تزوّجها فقد جاءت به لأقلّ منها، أي من ستّة أشهر من وقت الطّلاق؛ لأنّ الطلاق مشروط والمشروط يتعقب الشّرط، وإن لطف فيكون العلوق (٤) ثابتًا قبل الطلاق وستة أشهر من وقت التزوج.


(١) المبسوط للسرخسي (٦/ ٣٦).
(٢) المفازة: البرية القفر. لسان العرب (٥/ ٣٩٣).
(٣) المبسوط للسرخسي (٦/ ٣٥).
(٤) العلوق: من علق بالشيء علقا وعلقة: نشب فيه، وهو عالق به أي: نشب فيه، وعلقت المرأة بالولد، وكل أنثى تعلق: حبلت، والمصدر العلوق. ينظر: المصباح المنير في غريب الشرح الكبير (٢/ ٤٢٥).